المرأة الكردية في إيران... جسد مثقل بالقمع القومي والجندري

- 20 يونيو 2025 - 6 قراءة

أن تكون مواطنًا في إيران يعني أن تتعلم كيف تتنفس بحذر. أن تُراقَب، أن تُعاقَب، أن تُكمم، أن تُدان بسبب فكرة أو ملابس أو حتى بسبب اللهجة واللكنة. لكن أن تكوني مواطنة، فالمعاناة تتضاعف؛ إذ يُضاف إلى ذلك؛ جسدك، مظهرك، صوتك، حجابك، واختيارك. وإن كنتِ امرأة كردية، فأنتِ لا تحملين فقط عبء النوع الاجتماعي، بل أيضًا عبء الهوية القومية، في بلد لا يعترف بتعدد، ولا يحتمل اختلاف.

تحولات كبيرة مرّت المرأة الإيرانية خلال القرن العشرين، لكن بقي شيء ثابت: الدولة دائمًا ما رأت جسد المرأة أداةً للسيطرة.

في عهد رضا شاه بهلوي (1925–1941)، بدأ بمشروع تحديث إجباري. أحد رموزه كان نزع الحجاب بالقانون. لم يُترك للنساء حرية الاختيار، بل فُرض خلع الحجاب في الأماكن العامة، واعتُبر ارتداؤه جريمة. الدولة أرادت أن تفرض شكلًا محددًا من "التحرر"، لكنه في الحقيقة كان تعبيرًا عن التسلط، لا عن الحرية.

في عهد ابنه محمد رضا شاه، كانت هناك بعض المكاسب للمرأة، مثل حق التصويت والعمل في البرلمان والقضاء، وصدر قانون يمنح بعض الحقوق في الطلاق والحضانة. لكنها مكاسب محدودة داخل نظام سلطوي، ولم تصمد طويلًا بعد قيام الثورة "الإسلامية" عام 1979.

مع تأسيس الجمهورية "الإسلامية"، عاد جسد المرأة ليكون مركزًا للسيطرة السياسية. هذه المرة، فُرض الحجاب بقانون، وخُفّض سن الزواج، وتراجعت حقوق المرأة في الطلاق والميراث والشهادة القانونية. أصبح الحجاب رمزًا للولاء للنظام، وطُلب من النساء أن يجسّدن “أخلاق الدولة”، وكأن سلوك المرأة جزء من أمن البلاد.

وسط هذا الواقع، تعيش المرأة الكردية معاناة مضاعفة. فهي تعاني من القوانين التمييزية ضد المرأة، وفي الوقت نفسه من القمع بسبب هويتها الكردية. المناطق الكردية في إيران تعاني من التهميش، الفقر، وحرمان ومنع التعليم والإعلام باللغة الكردية، وقمع أي نشاط ثقافي. وفي ظل هذا التهميش، تواجه النساء الكرديات أوضاعًا أصعب: زواج مبكر، عنف أسري، جرائم شرف، ونِسَب مرتفعة من الانتحار، دون حماية قانونية حقيقية أو دعم اجتماعي.

هذه المعاناة لم تظل نظرية، بل ظهرت في وقائع صادمة تركت أثرًا كبيرًا داخل المجتمع الكردي والإيراني عمومًا.

في مايو/أيار 2015، شهدت مدينة مهاباد حادثة مأساوية أثارت غضبًا واسعًا. فريناز خسرواني، شابة كردية تعمل في أحد فنادق المدينة، ألقت بنفسها من الطابق الرابع أثناء محاولتها الهرب من اعتداء جنسي من قبل رجل يُعتقد أنه على صلة بالأجهزة الأمنية. التحقيقات الرسمية لم تكشف الحقيقة، وقُيّدت القضية ضد مجهول، مما زاد من الغضب الشعبي. اندلعت احتجاجات في المدينة، لكن السلطات قمعتها بسرعة، وفرضت تعتيمًا إعلاميًا عليها.

بعد سبع سنوات، وتحديدًا في سبتمبر/أيلول 2022، وقعت حادثة أخرى هزت الرأي العام داخل إيران وخارجها. مهسا (جينا) أميني، فتاة كردية تبلغ من العمر 22 عامًا، تم توقيفها من قِبل “شرطة الأخلاق” في طهران، بسبب “عدم التزامها بقواعد الحجاب”. بعد ساعات من احتجازها، نُقلت إلى المستشفى في حالة غيبوبة، ثم توفيت لاحقًا.

رغم أن اسمها الحقيقي “جينا”، وهو اسم كردي يعني “الحياة”، فإن السلطات لم تسمح بتسجيله رسميًا، إذ تفرض الدولة قيودًا على استخدام الأسماء الكردية، في محاولة لطمس الهوية القومية. وحتى بعد وفاتها، ظل الإعلام يستخدم الاسم الفارسي المفروض عليها، وكأن النظام لا يكتفي بقمع الجسد، بل يمتد قمعه لطمس الاسم والهوية.

هذه الحادثة كانت الشرارة التي أطلقت واحدة من أكبر موجات الاحتجاجات في إيران منذ الثورة، وكانت النساء الكرديات في طليعتها. الشعار الذي حملته التظاهرات: “المرأة، الحياة، الحرية”، انطلق من جذور كردية، وتحوَّل إلى صرخة عامة ضد كل أشكال القمع.

هذا الشعار لم يكن مجرد كلمات، بل رسالة واضحة: النساء، وخاصة الكرديات، لم يعدن مستعدات للصمت. هن يطالبن بحقوقهن، ويواجهن القمع بالصمود.

لقد فشلت كل الأنظمة الإيرانية، من رضا شاه إلى الخميني وخلفاؤه، في فهم أن المرأة لا تُدار بقرارات فوقية، وأن الكرامة لا تُقنن. والمرأة الكردية، رغم الألم الطويل، تظل واقفة، تقاوم، وتعلم الجميع درسًا لا ينسى: أن القمع لا يُنتج الطاعة، بل يولد الثورة.

 

*باحثة في العلوم السياسية

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.