مشاركة المرأة في صنع القرار: ضمان مستقبل سوريا

- 12 سبتمبر 2025 - 441 قراءة

إن حضور المرأة السورية ومشاركتها الفاعلة في الحراك الثوري لم يكن وليد اللحظة أو مجرد رد فعل عفوي، بل جاء نتيجة عقود طويلة من التهميش والإقصاء السياسي والاجتماعي. لقد وضعت النساء السوريات بصمتهن في الثورة، ليس فقط كصدى لوجع مشترك، بل كموقف واعٍ ومبادر لفتح أفق جديد يقطع مع رمزية التمثيل الزائف الذي فرضه النظام البعثي لعقود، تحت شعارات الحداثة والديمقراطية الشكلية.

صحيح أن تمثيل المرأة، لا سيما في البرلمان السوري خلال حكم البعث، كان من الأعلى بين الدول العربية من حيث النسبة العددية، إلا أن هذا التمثيل لم يكن سوى واجهة بروباغندا سياسية؛ فغالبيتهن جرى اختيارهن عبر ما يُعرف بـ"قوائم الظل"، دون أي تمكين حقيقي أو دور فعّال في صنع القرار. بل حتى التنظيمات النسوية، التي أُنشئت تحت مظلة "الاتحاد النسائي السوري"، لم تكن سوى أذرع للحزب الحاكم، تفتقر إلى الاستقلالية والقدرة على التعبير عن تطلعات النساء السوريات.

ومع انهيار حزب البعث وإعلانه حل نفسه في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، اختفت معه هذه الهياكل الشكلية، بما يعكس هشاشتها وافتقارها لمعايير العمل المؤسسي الحقيقي.

ورغم المشاركة الواسعة للنساء السوريات في مختلف مجالات العمل، فإن هذه المشاركة بقيت محدودة من حيث النوعية والفاعلية، ولم تُترجم إلى تمكين حقيقي أو حضور مؤثر في مراكز صنع القرار. واليوم، في ظل الحكومة الانتقالية، يبدو أننا أمام إعادة إنتاج لمنظومة الحكم الأحادي، لكن هذه المرة بغطاء ديني، يُروّج لنموذج نمطي يفرض على المرأة الامتثال له، بما يتعارض مع طبيعتها الفطرية القائمة على الإبداع والتعددية والتنوع.

للأسف، لا تزال التصورات الذهنية والموروث الثقافي الذي خلفه نظام البعث حاضرة في سلوك الحكومة الانتقالية، لا سيما في طريقة تشكيل اللجان وتعيين الشخصيات، التي غالبًا ما تفتقر إلى التمثيل الحقيقي للمجتمع المدني أو الأحزاب أو الكيانات المؤسسية. وغالبًا ما يتم اختيار شخصيات لا تمثل إلا نفسها، مما يعكس غياب رؤية سياسية واجتماعية تشاركية.

منذ الأيام الأولى، رأينا كيف عمد السيد الشرع إلى تجميد الحياة السياسية، وفرض شخصيات في مواقع القرار دون آليات ديمقراطية أو شفافة، بما في ذلك في الحكومة المؤقتة واللجان والمجالس. وقد جرى تزيين بعض هذه التشكيلات بمشاركة نسوية متدنية، من حيث الكم والنوع.

ومؤخرًا، وبعد الكشف عن تورط وزارتي الداخلية والدفاع في مجازر الساحل والسويداء، تم الإعلان عن تشكيل "هيئة العدالة الانتقالية" بعضوية نسائية من مختلف مكونات المجتمع السوري. ورغم أن هذه الخطوة جاءت استجابةً للانتقادات الدولية والداخلية لفشل الحكومة الانتقالية في إدارة التنوع السوري، فإنها اتخذت شكل التعيين الفوقي، لا التمثيل القاعدي الحقيقي.

إن تعيين نساء لقيادة ملف العدالة الانتقالية، من حيث المبدأ، هو توجه إيجابي، خاصة أن النساء بطبيعتهن الفطرية والإنسانية صانعات سلام وعدالة. لكن لكي تؤتي هذه الخطوة ثمارها، يجب أن تكون نابعة من قناعة استراتيجية بدور المرأة، لا مجرد خطوة تجميلية أو رد فعل لضغوط دولية. فحين تختار النساء ممثلاتهن بأنفسهن، وبآليات ديمقراطية، يمكننا أن نقول إن سوريا تتجه فعلاً نحو مستقبل تشاركي وعادل.

سوريا اليوم تمر بمرحلة مفصلية من تاريخها. وهذه لحظة نادرة تتطلب من الجميع، نساءً ورجالًا، أن يتحملوا مسؤولياتهم بجدية لبناء وطن جديد، متحرر من موروث الحزب الواحد والتفكير الأحادي. وطن يقوم على التعددية، والمواطنة، والعدالة، والمساواة بين الجنسين، ويمنح المرأة والشباب دورهم الحقيقي في القيادة والريادة.

فقط عبر بناء مؤسسات وطنية حقيقية، تقوم على تمثيل عادل يراعي النوع الاجتماعي والتنوع المجتمعي، يمكننا الاستثمار في سوريا المستقبل وضمان تنميتها واستقرارها وازدهارها.

 

* ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية - القاهرة

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.