من قمة أنشاص إلى الدوحة... العرب بين زمن القوة وعصر الضعف (2)

- 21 سبتمبر 2025 - 148 قراءة

في التاريخ العربي المعاصر، تشكل القمم العربية مرآة صادقة لحال الأمة، ففي لحظات القوة كانت هذه القمم تعكس روحًا جديدة ومشروعًا نهضويًا عروبيًا، وفي لحظات الضعف والانقسام تبدو عاجزة عن إنتاج أي موقف مؤثر. وإذا قارنا بين أول قمة عربية انعقدت في أنشاص بمصر عام 1946، وبين قمة الدوحة في 2025، نقرأ الفوارق العميقة بين زمنين، زمن قوة العرب وزمن ضعفهم.

"قمة أنشاص"... زمن الحلم والقوة الصاعدة

انعقدت قمة أنشاص في مايو/أيار عام 1946 بدعوة من الملك فاروق، وكانت الأولى من نوعها بعد عام واحد من تأسيس جامعة الدول العربية (مارس/آذار 1945)، وشارك فيها سبعة من القادة العرب، الملك فاروق (مصر)، الملك عبد العزيز آل سعود (السعودية)، الملك عبد الله الأول (شرق الأردن)، الملك عبد الله بن يحيى (اليمن)، الأمير عبد الإله (العراق)، الرئيس شكري القوتلي (سوريا)، والرئيس بشارة الخوري (لبنان).

كانت الأمة العربية وقتها في مرحلة يقظة كبرى بعد الحرب العالمية الثانية، يشتعل في وجدانها حلم الاستقلال والتحرر من الاستعمار الغربي، حيث خرجت شعوب عربية من الاحتلال المباشر (سوريا ولبنان من فرنسا، العراق من الوصاية البريطانية)، وكان المزاج العام قومياً وحدوياً.

وأكدت القمة أن فلسطين "قضية العرب الأولى"، وأن تحريرها واجب مقدس، ولأول مرة ظهر موقف عربي موحد، رافض لتهويد فلسطين ومؤكد على عروبتها، كما أرسى المجتمعون دعائم التضامن العربي في مواجهة المشاريع الاستعمارية.

ومثلت قمة أنشاص بداية انطلاق الوعي العربي بقدراته، وأن العرب قوة قادرة على تقرير مصيرها.

"قمة الدوحة"... زمن التشتت والضعف

في 9 سبتمبر/أيلول 2025، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي موقعًا في العاصمة القطرية الدوحة، يضمّ قيادات من حركة حماس بالإضافة إلى أفراد من الأمن القطري، بعدما كانوا يجرون مفاوضات هدنة محتملة.

هذا الهجوم اعتُبر أول ضربة إسرائيلية مباشرة في الأراضي القطرية ومنطقة الخليج العربي، مما أثار استنكارًا عربيًا وإسلاميًا واسع النطاق.

دُعيت القمة الطارئة المشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لكي تُعقد في الدوحة في 15 سبتمبر/أيلول 2025، بهدف إصدار موقف عربي-إسلامي موحَّد تجاه هذا التصعيد واستجابته.

انعقدت القمة في ذروة الحرب على غزة (2023-2025) التي أطلقتها (إسرائيل) بعد عملية "طوفان الأقصى"، وفجّرت مأساة غير مسبوقة للشعب الفلسطيني، ووضعت العرب أمام امتحان صعب.

حضرها معظم القادة العرب، لكنهم اجتمعوا في ظل انقسام حاد، مابين دول مطبّعة مع (إسرائيل) منذ "اتفاقيات أبراهام"، وأخرى متحفظة على التطبيع وثالثة مساندة لما يسمى بـ"المقاومة".

كان المشهد العربي ممزقاً بالحروب الداخلية، والتدخلات الإقليمية (إيران، تركيا، إسرائيل)، ومجازر غزة التي أظهرت بشاعة جرائم الاحتلال على ارتكاب جريمة حرب إبادة جماعية.

ورغم صدور بيانات قوية تدين (إسرائيل) وتطالب بوقف الحرب، إلا أن القرارات بقيت دون آليات تنفيذية، وبلا أثر فعلي على موازين القوى، وبدا العرب في موقع المتلقي للأحداث لا صانعها.

وكشفت قمة الدوحة أن العرب فقدوا قدرتهم على الفعل، وأن مكانتهم الدولية تراجعت، حتى صارت كلمتهم تُسمع ولا تُطاع.

في أنشاص 1946:

نص البيان الختامي على أن "فلسطين قلب الأمة العربية، والدفاع عنها دفاع عن جميع الأقطار العربية والإسلامية"، كما دعت القمة إلى "مساعدة الشعوب العربية في شمال أفريقيا والخليج لنيل استقلالها"، في إشارة إلى الجزائر وليبيا والخليج العربي، وأن القضية الفلسطينية كانت في قلب الإجماع، وكان الهدف المباشر منع المشروع الصهيوني من الترسخ في فلسطين.

في الدوحة 2025:

ركزت القمة على وقف إطلاق النار في غزة، وضرورة "محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب"، ودعت إلى مؤتمر دولي للسلام. إلا أن القرارات لم تتجاوز لغة البيانات، ولم تُترجم إلى آليات ملزمة، سواء عبر النفط أو العلاقات الدولية أو حتى عبر محكمة الجنايات الدولية.

بين قمة أنشاص 1946 وقمة الدوحة 2025، ثمانية عقود تروي قصة العرب بين زمنين، زمن القوة حين كانت الكلمة الواحدة تصنع وزناً في العالم، وزمن الضعف حين صارت البيانات لا تتجاوز قاعات المؤتمرات، وبين القمتين، تمتد مسافة ثمانية عقود تروي حكاية أمة ضيّعت مشروعها القومي، ووقعت في شراك التبعية والتطبيع والانقسام.

ولعل أهم درس نقرأه هو أن فلسطين، التي جمعت العرب في قمة أنشاص، ما زالت المحكّ الذي يكشف حقيقة قوة العرب أو ضعفهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

  • بيان قمة أنشاص 1946 (الأمانة العامة لجامعة الدول العربية).
  • البيان الختامي لقمة الدوحة 2025 (وكالة الأنباء القطرية).
  • العروش والجيوش: كذلك انفجر الصراع في فلسطين 1948-1998 (الجزء الأول)، محمد حسنين هيكل، دار الشروق 2007.

* رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.