روج آفا... الثورة والحرب ومستقبل كرد سوريا

- 11 مارس 2024 - 702 قراءة

عن دار نفرتيتي للنشر صدرت النسخة الرابعة من كتاب "روج آفا... الثورة والحرب ومستقبل كرد سوريا" للكاتب توماس شنيدر ترجمه للعربية أحمد إسماعيل وروناك حجي.

يتناول الكتاب كيفية تأسيس مناطق الحكم الذاتي الكردية وهياكلها السياسية والحياة اليومية في ظل مؤسسات الإدارة الذاتية، كما يتطرق إلى الصراعات الداخلية بين الكُرد ومستقبل الأوضاع في روجافا.

وبحسب الكاتب، فقد أضفت الحرب الدائرة في سوريا واقعًا جديدًا مغايرًا بشكل كلّي لما كان سائدًا قبل ذلك، حيث أضحى العبور من وإلى سوريا عبر معبر حدودي يفصلها عن العراق متاحًا بشكل قانوني في ظل إغلاق المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا ولا سيما بعد تأسيس كيان كُردي في يناير/كانون الثاني 2014 باسم «روجافا» كما يحلو للكُرد في كردستان سوريا تسميته، وهو كيان تألف من ثلاث مقاطعات متاخمة لبعضها البعض «عفرين الجزيرة الفرات»، ولكنّها كانت منفصلة عن بعضها البعض؛ نظرًا لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مقاطعة الفرات لفترة زمنية قبل أن تنجح الوحدات العسكرية التابعة للكُرد في توحيد اثنتين من مقاطعات روجآفا في عام 2015 بعد تحرير كوباني، وبعدها منبج بالتعاون مع التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة، كما أعلنت الاتحادية الديمقراطية لشمال سوريا روجافا في مارس/آذار 2016 عن ضمها مدن وقرى ذات غالبية عربية أيضًا.

 

روج آفا وكردستان سوريا

 

وفي بداية الكتاب يناقش الكاتب مصطلح "روج آفا" الذي يستخدم للتعبير عن اتحادية شمال سوريا ودلالة اللفظ وترجمته الحرفية مشيرًا إلى رفض القوميون الكُرد أي مصطلحات تعكس تقسيم کردستان بين دول مختلفة، ولا تبرز كردستان كجغرافية واحدة، ووفقًا لهم، فدلالة «روجآفا» هي غربي كردستان الغربية.

ويعتبر الكاتب أن المصطلح "روجآفا" غير منطقي إلى حدٍ ما من الناحية الجغرافية، حيث تقع العديد من المناطق الكُردية بتركيا في الغرب من «روجآفا»، ووفقًا لذلك، تقع «روجآفا» في الجنوب الغربي من كردستان، ومن مناطق وُجود الكُرد عامة، مشيرًا إلى أن المصطلح الأكثر دقةً ومنطقيةً والأقرب إلى الواقع هو مصطلح "کردستان سوريا" بالرغم من أنه غير محبب لدى القوميين الكُرد والعرب على حدٍ سواء، فهو كمصطلح لا يحدد دعم أو انتقاد المرء لفكرة أن هذه الأراضي تنتمي إلى سوريا.

 ويستخدم الكاتب في كتابه "روج آفا" و"كردستان سوريا" كمصطلحين مترادفين للتعبير عن مناطق الوجود الكُردي بشمال سوريا، رغم اعتقاده أن مصطلح "كردستان سوريا" الذي يشير إلى حقيقة أن ترتيب الشرق الأوسط عقب الحرب العالمية الأولى اعتبر هذه الأراضي جزءًا من سوريا بموجب القانون الدولي، وقد يكون هذا غير عادل ومثيرًا للجدل، لكنه يتبع ذلك بقوله "لا نجافي الحقيقة حينما نقول إن كردستان العراق هي جزء من العراق وكردستان إيران هي جزء من إيران وكذلك الحال بالنسبة لكردستان تركيا".

ويتطرق الكتاب إلى تطورات الأوضاع في سوريا منذ اندلاع الثورة التي بدأت سلمية قبل أن تتحول لحرب أهلية بصورة أصبحت معها صورة مقصد للجهاديين من كل أنحاء العالم، والتحول في ميزان القوى العسكرية لصالح النظام بعد التدخل الروسي والإيراني وسقوط حمص، ومن بعدها حلب في يد النظام، والذي مثل سقوطها بداية النهاية لتراجع ميليشيات المعارضة وهو التراجع نفسه الذي ضرب المشروع الجهادي الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بعد استعادة الجيش العراقي للموصل، وتحرير الرقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية.

وبحسب الكاتب، فقد لعب المقاتلون الكُرد في سوريا والعراق دورًا هامًا في محاربة الخلافة المزعومة وتحرير مناطق أكبر بكثير من التي يقطنها الكُرد في سوريا والعراق.

 

الفخ التركي

 

يتطرق الكتاب للسياسات التركية في سوريا وكيف تبتز أنقرة الغرب بعلاقاتها بروسيا مع أجل التغاضي عن هجماتها ضد القوى الكُردية بسوريا.

يقول الكاتب: "بدأت تركيا، والتي ما زالت عضوًا في حلف شمال الأطلسي، في ضرب شركائها في الناتو وروسيا مع بعضهم البعض، ممهدة بتغيير ولائها لروسيا إذا استمرت الولايات المتحدة في دعم قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة الكردية، الأمر الذي أدى إلى إسكات الانتقادات الغربية بشأن الهجوم التركي على عفرين، وترك معظم المنطقة الغربية من الاتحادية الديمقراطية لشمال سوريا تحت رحمة روسيا".

كما يتحدث الكاتب عن تقاسم النفوذ في سوريا بين موسكو وواشنطن وتأثير ذلك على "روجآفا"، "هناك مؤشرات قوية تشير إلى أن روسيا والولايات المتحدة قسمتا سوريا إلى منطقتين للنفوذ على طول خط نهر الفرات. حيث توافق روسيا على وجود القوات الأمريكية في شمال شرق الفرات، مع قبول الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب بالهيمنة الروسية على بقية سوريا، وهذا ما يعقد موقف الكُرد السوريين. وفي حين أن الأجزاء الشرقية من الاتحادية الديمقراطية لشمال سوريا، أي مقاطعتي الجزيرة وكوباني والتي تسمى حاليًا بالأقاليم، بالكردية Herêm))، بالإضافة إلى الأراضي التي اُسْتُعِيدَت من تنظيم (داعش) في عام 2017 كانت أشبه بمناطق تحت الحماية الأمريكية، وقد أوضحت إدارة ترامب أنها لن تساعد الكُرد في مناطق غربي الفرات.

 

الدور الروسي في احتلال عفرين

 

ويستعرض الكتاب كواليس ما قبل احتلال عفرين والتدخل التركي في شمال سوريا 2018 ، والصفقة التي تمت بين أردوغان وبوتين وبموجبها سقطت عفرين في قبضة الاحتلال التركي والتواطؤ الروسي مع تركيا ضد الكُرد السوريين.

يقول الكاتب: "أننا على دراية باللقاءات التي جرت بين المسؤولين الأتراك والروس في خريف 2017 قبل الغزو التركي، بما في ذلك عدة لقاءات بين الرئيس بوتين والرئيس أردوغان نفسه حيث اجتمعا في 28 سبتمبر/أيلول بأنقرة، ثم في 13 نوفمبر/تشرين الثاني في سوتشي، وعادوا مجددًا واجتمعوا في أنقرة في 11 ديسمبر/كانون الأول، ومن البديهي بأن مصير عفريـن قـد تقرر أيضًا في هذه الاجتماعات وهو ما ظهر بجلاء بعد أن سحبت روسيا قواتها من عفرين في الأيام التي سبقت الغزو التركي، وهي بالتالي لم تدافع عن عفرين ضد الهجوم التركي، ولم تعترض عليه.

ويرى الكتاب أن الموقف الروسي من احتلال عفرين والتعاون مع تركيا كان يهدف للضغط على الكُرد وإجبار وحداتها العسكرية على التعاون مع النظام والقبول بالعودة إلى حكم الأسد.

 

الأوضاع في سوريا ومستقبل روجآفا

 

وينتقل الكاتب للحديث حول مستقبل الأوضاع في سوريا، معتبرًا أن ما وصفه بمعارك المرحلة الثانية من الحرب الأهلية السورية التي حدثت منذ العام 2018 تشكل صراعات فعلية من أجل خريطة مستقبلية لسوريا، وقد تؤدي أخيرًا إلى السلام عن طريق التفاوض في المرحلة المقبلة.

وبحسب الكاتب، فإن الوضع في سوريا لن يعود كما كان عليه قبل عام 2011، محذرًا من أن سوريا سوف تتحول لدولة غير مستقرة إذا ما ظلت على هذا المنوال، معتبرًا أن التوصل إلى السلام عن طريق التفاوض ممكن، والأمر يحتاج إلى نوع من الاتحادية في سوريا.

 

الخلافات الكردية والفرصة التاريخية

 

هذه الحالة من عدم الاستقرار قد تضاعف من التوترات بين الكُرد خاصة بين المحسوبين على حزب العمال الكردستاني والديمقراطي الكردستاني كما حدث في منطقة شنكال في العراق بداية مارس/آذار 2017 وما تلاه من انتهاكات واعتقالات ضد أعضاء المجلس الوطني الكُردي في سوريا، ومقتل الإيزيدية «نازة نايف» البالغة من العمر 16 عامًا في 14 مارس/آذار 2017، وإغلاق مكاتب حزب (PDS)  في روجآفا في وقت لاحق.

الخلافات الكردية دومًا ما تستغلها تركيا للترويج لفكرة أنها تحارب منظمة إرهابية، وليس الكُرد كقومية وهو ما ظهر خلال الحرب على عفرين حيث استخدمت تركيا بعض المجموعات الكُردية الصغيرة، للقتال في عفرين أيضًا، على الرغم من ضعف تأثيرها العسكري إلا أنها مفيدة للدعاية التركية.

ويرى الكاتب أنه ما تزال هناك فرصة تاريخية أمام الكُرد الذين أصبحوا ضحايا لأوامر من يحملون أسماء "سايكس – بيكو" في القرن العشرين من أجل لعب دور سياسي مستقل في مستقبل الشرق الأوسط. ولن يتوقف الأمر على سياسات القوى العالمية المهيمنة فحسب، بل على القوى الكُردية ذاتها أيضًا فيما إذا كانت لهم الرغبة في هذه الفرصة التاريخية أن تتحقق.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.