لماذا صدرت "كردستان" من القاهرة؟

- 8 مايو 2025 - 185 قراءة

في 22 أبريل/نيسان 1898 انطلقت من مصر أول صحيفة كردية في التاريخ باسم "كردستان"، على أيدي القيادي الكردي الشهير مقداد مدحت بدرخان، العضو البارز في "جمعية صعود كردستان". وخلال أربعة أعوام من الصدور المتقطع، أصبحت الصحيفة هي صوت الكرد الذين لا صوت لهم في المحافل السياسية المصرية والعربية والدولية، حيث صدر منها 31 عددًا في القاهرة وجنيف ولندن.

وكما شهدت القاهرة قبل 126 عامًا إصدار أول صحيفة كردية، على أيدي آل بدرخان، صدرت من العاصمة المصرية أيضًا مجلة "كردستان" قبل عام من الآن. وها هي المجلة تُكمل عامها الأول، وتشق طريقها بقوة واقتدار وروح جديدة، وسط احتفاء كبير من المختصين والمهتمين بالشأن الكردي والعربي والشرق أوسطي عمومًا.

صدرت "كردستان" عن مركز الخليج للدراسات الإيرانية، لا لكي تكون صوتًا للكرد فحسب، بل أن تصبح صوتًا لكل المقهورين في الشرق الأوسط، والعالم أجمع.

وكانت المجلة، وما تزال، مطبوعة جديدة وفريدة من نوعها في الإعلام العربي المعاصر، مهمتها هي دعم الشعوب المقهورة الساعية للحرية والاستقلال، وبيان الوجه الحقيقي المضيء للقضية الكردية، التي لا يعرف القارئ العربي عنها الكثير، رغم التاريخ الحضاري العريق المشترك للعرب والكرد، الذين عاشوا جنبًا إلى جنب في وئام وسلام على مر التاريخ.

ونجحت المطبوعة خلال أعدادها الإثنيّ عشرة الماضية، وعبر جهود فريق المحررين والباحثين العاملين فيها، في وضع القضية الكردية ضمن دائرة اهتمام الرأي العام العربي، خصوصًا في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة، حيث تعصف التطورات الجيوسياسية الحاصلة منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، بأوضاع دول المنطقة، وتتشكل علاقات شرق أوسطية جديدة، ربما تصب في مصلحة حل الكثير من قضايا المنطقة التي طال أمد حلها أكثر من 70 عامًا، وعلى رأسها القضيتيّن الفلسطينية والكردية.

عدالة القضية الكردية

في ظل هذه الظروف، كان لابد من وجود نافذة إعلامية لمتابعة الأحداث والتطورات اليومية المتلاحقة في أصقاع الشرق الأوسط، للإسهام مع غيرها من المطبوعات والمواقع الإلكترونية الأخرى، في تعريف الجمهور العربي بأهمية القضية الكردية، والتأكيد على عدالة هذه القضية، وأهمية حلّها، لكي يعم السلام والأمن الإقليم المضطرب برمته.

ولا جدال أن القضية الكردية لا تحظى بالاهتمام الكافي من وسائل الإعلام العربية، رغم أن الكرد والعرب كانوا على الدوام في خندق واحد، يحاربون من أجل قضاياهم العادلة، بل زد على أن مقاتلين كردًا حاربوا جيش الاحتلال الإسرائيلي كتفًا بكتف، إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية في لبنان عام 1982، وسقط منهم شهداء في سبيل فلسطين، قضية العرب الأولى، ومع ذلك يُتهم بعض الكرد الآن بالتعاون مع (إسرائيل)!

ولا يمكن إخفاء مثل هذا التقصير. كما لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرئة الإعلام العربي من تقصيره في تغطية الشأن الكُردي، بل إساءته لهذه القضية أحيانًا، وتناوله على أسس غير مهنية، والانحياز إلى عكس مصلحة الكرد.

وبينما كانت "كردستان" منذ صدورها في موقع الحدث دائمًا، ترصد كل كبيرة وصغيرة تخص الشأن الكردي خصوصًا على جبهة العدوان التركي المستمر، لم تُكلف وسائل الإعلام العربية نفسها لكي تغطي أي حدث يخص الكرد على أسس مهنية محايدة وصحيحة. ولم تثقل كاهلها بأن ترسل مندوبيها إلى أماكن اشتعال القضية الكردية، لنقل الأحداث على لسان أصحابها لا على لسان أعدائها.

من هنا، كان لابد من مطبوعة ناطقة بلغة الضاد، وموجهة بالأساس إلى القارئ العربي، تُعيد ضخ الدماء في شرايين هذه العلاقة التاريخية الفريدة بين الكرد وجيرانهم العرب، لكي يعلم الجميع أنهم جيران للأبد، همهم ومصيرهم واحد، أو بالتعبير الكلاسيكي كلهم في "الهم شرق"!

لم تتعامل المجلة، منذ البداية، مع القضية الكردية على أنها شأن يخص قومية كبرى من قوميات المنطقة فقط، بل باعتبارها كما ورد في افتتاحية العدد الأول: "قضية دولية موضوعيًا، بسبب توزعها بين بلدان عدة، اختلفت في تحالفاتها الدولية منذ تكونها. وإن أي تحريك للملف الكردي في إحدى هذه البلدان منفردة كانت له على الدوام ردود أفعال من أربعة بلدان، ومن الدول المتحالفة مع البلدان الأربعة، بشكل غير مباشر، مما جعلها ساحة تنافس دولي دائمًا".

بهذا المعنى، فإن القضية الكردية واحدة من أهم القضايا الدولية المعاصرة، فقد تعرّض الشعبُ الكردي خلال سنواتٍ طويلة لأشرس وأوسع الحملات ضد تطلعاته، وكان الكرد دائمًا ضحيةً للتوافقات الدولية، ومصالحهم تصطدم دائمًا بمطامع الدول الإقليمية الكبرى.

حرب "الإبادة الثقافية"

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011 وظهور تجربة "الإدارة الذاتية" في شمال سوريا لاحقًا، وما حققته من مكتسبات كبرى للكرد والعرب في المنطقة، برزت الحاجة إلى تطوير حراك إعلامي كردي ناطق باللغتيّن الكردية والعربية، من شأنه أن يواكب الثورة ويكون لسان حالها، بالإضافة إلى تعبئة الجماهير وتأهيلها لأداء مسؤولياتها التاريخية في هذه المرحلة من تاريخ الشرق الأوسط.

ولم تنحصر ضرورات وجود إعلام كردي بديل في هذا المجال فقط، بل تعدت ذلك لتصبح ضرورة حتمية لعدة أسباب، من أهمها أن أطرافًا دولية وإقليمية تدخلت بشكل سافر في الوضع السوري لتنفيذ أجنداتها الخاصة، واستنفرت في سبيل ذلك آلة إعلامية ضخمة استطاعت إلى حد كبير التحكم بمسار الثورة، والأهم من ذلك إن بعض هذه الأطراف تعادي أي تحول ديمقراطي حقيقي في سوريا، كما أنها تعادي القضية الكردية والشعب الكردي بشكل عام.

وبالفعل، تخوض القوى المحتلة لأراضي كردستان، وبشكل خاص الدولتين التركية والإيرانية حربًا خاصة متواصلة عبر وسائل الإعلام ضد الشعب الكردي. وهي حرب تهدف إلى "الإبادة الثقافية" والقضاء على الهوية الكردية. حيث إن المئات من القنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء ومحطات الإذاعة والصحف، ومؤخرًا وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل منذ سنوات - ليل نهار- من أجل إبعاد الشعب الكردي عن حقيقته الناصعة.

وفي المقابل، تشكّل وسائل الإعلام الكردية الناطقة بالعربية مثل "كردستان" مع نظيراتها باللغة الأم، صوت المقاومة الهادر التي يبديه الكرد، خصوصًا ضحايا الاحتلال التركي لأجزاء من سوريا والعراق، ضد مختلف الهجمات التي تشنها المجموعات المرتزقة على المنطقة. وقد لعبت وسائل الإعلام الكردية هذه دورًا لا يستهان به في هذا المجال العام، من خلال إيصال صوت المقاومة إلى جميع أرجاء العالم.

وعلى الرغم من أن الشعب الكردي سبق العديد من شعوب الشرق الأوسط في أولى خطواته نحو الإعلام، قبل 126 عامًا كما أسلفنا، إلا أنه لم يتمكن - بعد- من إيصال الإعلام إلى مستوى يمكنه من التصدي للهجمات التي يتعرض لها. ونتمنى أن تكون "كردستان" خطوة في هذا السبيل، ونافذة مفتوحة للجميع، للتعرف على الشأن الكردي، وإدارة النقاش حوله، من أجل وضع حل نهائي عادل للقضية الكردية عاجلًا أو آجلًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.