إيران تخصص مليارات الدولارات لـ «التضليل الإعلامي»

- 16 يونيو 2022 - 640 قراءة

أكثر من "مليار دولار" يتم إنفاقها سنويًا على الإعلام الموجه لصالح إيران باللغة العربية وحدها

 

ميزانية "الدعاية للنظام" ضمن الموازنة العامة للدولة هذا العام تساوي مخصصات 10 محافظات

 

"اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإيراني" يتمتع بعلاقات وثيقة مع أكثر من 210 شركة في 35 دولة

 

 

استثمر النظام الإيراني، خلال العقود الأربعة الماضية، أموالًا طائلة في بناء إمبراطورية إعلامية كبرى في الداخل والخارج، وخصوصًا في الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، التي تُعد "الهدف الأول" للرسائل التي تبثها مؤسسات إعلامية حكومية عديدة ومؤسسات غير حكومية، يسيطر عليها النظام.

يحتل الإعلام مكانة متقدمة في أولويات النظام الإيراني الذي يعتمد على آلة ضخمة من الوكالات الإخبارية والصحف اليومية المطبوعة والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، في مصفوفة سياساته الداخلية والخارجية على حد سواء، ولذلك أخذ الإعلام موقعه في صدارة تراتبية صنع القرار بهذا النظام؛ خاصة في رسائله تجاه العالم العربي من حيث معالجته الرؤية الرسمية لسياسات الدول العربية أو حتى إبداء الرأي في القضايا محل الاهتمام.

وفي أبريل/نيسان 2020، نشر موقع "راديو فردا" الناطق بالفارسية، إحصائية عن حجم الإنفاق الرسمي الإيراني على المؤسسات الإعلامية التي تستخدم للتضليل الإعلامي. وأظهرت الإحصائية أن الميزانيات المرصودة للدعاية الإيرانية خارجيًا بدأت "في التزايد"، حتى في ظل تفشي وباء كورونا في البلاد، الأمر الذي يعني حرمان القطاعات الصحية التي تكافح الوباء من أموال، يتم رصدها لأغراض الدعاية الإعلامية للنظام في الخارج.

وتم تقديم مشروع قانون الميزانية للعام الفارسي الشمسي 1400، الذي بدأ في 20 مارس/آذار 2021، حيث لفتت المخصصات المالية الموجهة إلى "مؤسسة الإذاعة والتلفزيون" ضمن الميزانية نظر المراقبين، فقد تم تخصيص 2619 مليار تومان، بزيادة نحو 35 في المئة عن العام الماضي. وبما يساوي ميزانية 10 محافظات.

وأهم الجهات المشاركة في عمليات "التضليل الإعلامي" هي وزارة الخارجية، واتحاد إذاعات إيران (IRIB) والأذرع المعلوماتية التابعة لـ "الحرس الثوري"، ومجموعة من المنظمات الإيرانية، بما في ذلك "منظمة التنمية الإسلامية"، ومكتب "الدعاية الإسلامية" في مدينة قم.

 

الترويج للمشروع الإيراني

 

خصصت ميزانية إيران لعام 2020-2021 مبلغ 105 ملايين دولار لعمليات التأثير التي تستهدف الشتات الإيراني من المغتربين، وهو مبلغ يساوي ثلاثة أضعاف تمويل العام السابق. وتشير هذه الزيادة الملحوظة وسط ضغوط مالية شديدة على النظام إلى قيمة هذه الجهود وتوسعها يومًا بعد يوم.

وتلعب إذاعة وتلفزيون الجمهورية الإيرانية (IRIB) دورًا حاسمًا في الداخل والخارج، فهي تدير IRIB قنوات تلفزيونية باللغة الإنجليزية أبرزها "برس تي في" والإسبانية "هيسباني تي في" وبلغات رئيسية أخرى.

وتبدو أهمية قنوات IRIB للنظام واضحة من ضخامة ميزانيتها. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، ستتلقى الشبكة ما يقرب من مليار دولار هذا العام، بزيادة كبيرة قدرها 488 مليون دولار عن العام الماضي.

كما تسمح الميزانية بتحويل 150 مليون يورو إضافية متاحة، ما يقرب من 165 مليون دولار، من "صندوق التنمية الوطني الإيراني" إلى قنوات المحطات الرسمية، كما يظهر أن هذه الأموال لا تشمل عائدات الإعلانات الكبيرة التي تحققها IRIB بفضل احتكارها للبث وهو مبلغ قد يكون بمئات الملايين، يصب في ميزانيتها الرسمية، ويخصص حوالي 16% للبث الأجنبي.

ويتمتع "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية" بعلاقات إعلامية وثيقة مع أكثر من 210 شركة حليفة في 35 دولة، معظمها في الشرق الأوسط. وتشمل هذه الشركات القنوات الفضائية ومحطات الراديو والمواقع الإخبارية، ووكالات الأنباء ومراكز التدريب وشركات الإنتاج الإعلامي ومراكز البحوث.

وارتفع إنفاق إيران من المخصصات المالية لعشرات القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية التي تعمل من الخارج، وتنطق بالعربية، وسط تقديرات تقول إن هناك أكثر من "مليار دولار" يتم إنفاقها سنويًا على الإعلام الموجه لصالح إيران، باللغة العربية وحدها.

وهذا، بخلاف عشرات وسائل الإعلام التي تتبناها إيران في أوروبا وأفريقيا وأمريكا وكندا وأستراليا، والتي تعمل على أساس ديني – مذهبي، للترويج للمشروع الإيراني في العالم وبين أوساط المسلمين، من غير الناطق بالعربية.

في المقابل، واصلت الولايات المتحدة حربها على الإعلام الإيراني خلال الأعوام الماضية. فقد نجحت واشنطن خلال عام 2018 في إيقاف أكثر من 700 حساب إيراني على موقع «تويتر» بلغات مختلفة، وحذف صفحات 39 قناة تلفزيونية حكومية إيرانية من المنصات الاجتماعية، وحظرت «فيسبوك» 562 صفحة. وأغلقت شركة «جوجل» 19 مدونة، كلها تابعة لجهات إعلامية إيرانية، أو مدعومة من إيران.

ويرى بعض الباحثين أن سياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تجاه النظام الإيراني خلال فتره رئاسته، أثرّت بشكل ملحوظ على استراتيجية إيران الإعلامية في منطقة الشرق الأوسط، حيث أدت الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الأمريكية، إلى حرمان الهيئات والمؤسسات الإعلامية التابعة لملالي طهران من بعض مخصصاتها المالية.

ووفق بعض التقارير، تعرض أعضاء "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية" في منتصف العام الماضي 2020 لضغوط مالية كبيرة، كما أن بعض القنوات التلفزيونية التي تديرها "الخدمة العالمية" التابعة لـ "إذاعة جمهورية إيران الإسلامية"، اضطرت إلى التوقف عن البث في عام 2020 بسبب ديونها المستحقة لصالح مشغلي الأقمار الصناعية. كما توقف القمر "يوتلسات" عن تقديم الخدمات لـ "قناة الكوثر" الناطقة باللغة العربية، لنفس السبب.

 

جبل الجليد الإعلامي

 

بسبب هذه الأزمة المالية، لجأت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق خلال الآونة إلى أساليب أرخص، للوصول إلى جماهيرها بفعالية. وزاد الوكلاء العراقيون مؤخرًا من أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما على تطبيق "تيليجرام". فقد أنشأوا منتديات يمكن من خلالها للشباب مناقشة الأيديولوجيا الإسلامية والمشاعر المعادية لأمريكا، مع مشاركة الإعلانات وتنظيم الأنشطة المتعلقة بالميليشيات.

وأنشأت بعض الجماعات "قنوات إخبارية" على وسائل التواصل الاجتماعي تشن حملات ضد الولايات المتحدة والحكومة العراقية. وبالإضافة إلى بث التقارير حول الهجمات على المصالح الأمريكية، تقوم بتجنيد الشباب لإرسال الصور والمعلومات حول التحركات الأمريكية في جميع أنحاء البلاد، وتعمل كما يسمى بـ "خلية الظل".

ويُستخدم تطبيق "تيليجرام" أيضًا لتنظيم أنشطة مراقبة تهدف إلى إسكات أولئك الذين يعبّرون عن معارضتهم للتوسع الإيراني في العراق، ومن بين هذه الأنشطة عمليات التخريب والهجمات المتعمدة ضد النوادي الليلية ومحلات بيع الخمور ومحطات التلفزيون المنافسة ومكاتب الأحزاب السياسية. باختصار، فإن أي سياسة تهدف إلى مواجهة آلة الدعاية الإيرانية في المنطقة ستحتاج إلى مواجهة الطريقة القوية التي تستغل بها الجماعات الموالية لإيران وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول الأكاديمي العراقي د. حمدي مالك، إن استراتيجية طهران الإعلامية في الشرق الأوسط، تُعد جزءًا لا يتجزأ من جهودها لتبرير مشروعها التوسعي الإقليمي وتعزيزه بين جمهور واسع. ويمكن أن يؤدي إدراج وسائل الإعلام المرتبطة بإيران على قائمة العقوبات الأمريكية، إلى الحد من أنشطتها، ولكن من الضروري اعتماد استراتيجية أكثر شمولية إذا كانت واشنطن تأمل في مواجهة آلة الدعاية الإيرانية في المنطقة بشكل فعال.

من جهة ثانية، يرى الكاتب عبد الرحمن الراشد، رئيس التحرير السابق لصحيفة الشّرق الأوسط، أن ملاحقة وسائل الدعاية الإيرانية، وإغلاقها على وسائل التواصل الاجتماعي، يمثل نجاحًا ملحوظًا في مواجهة الآلة الإعلامية التابعة لنظام الملالي. لكن هذه النجاحات لم تلمس سوى رأس جبل الجليد الإعلامي. فلدى إيران شبكات إعلامية ومعلوماتية تحتية ضخمة، بدأت تأسيسها تحديدًا في لبنان منذ الثمانينات. ما كانت تستطيع أن توجد بوصفها قوة أجنبية إلا بعد أن وظفت الإعلام لتظهر بمظهر البطل المنقذ للبنان ضد (إسرائيل)، وللشيعة ضد «الحرمان»، ومع العرب ضد «الهيمنة» الأمريكية، ومع المسلمين ضد الكفار!

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

 

  1. فهم شبكة الإعلام الإيرانية الواسعة في الدول العربية، موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 2 مارس/آذار 2021.
  2. الحرب على إعلام إيران وتابعيه، موقع الشرق الأوسط، 8 سبتمبر/أيلول 2018.
  3. كم تنفق إيران على مؤسساتها الدعائية؟ موقع العربية، 18 أبريل/نيسان 2020.
  4. السياسات الإعلامية الإيرانية تجاه قضايا العالم العربي – دراسة نقدية تحليلية، موقع عرب ميديا، 24 فبراير/شباط 2022.

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.