السيناريو الأمريكي الأخطر: حروب تأهيل إيران

- 15 مارس 2022 - 593 قراءة

ما دور إيران في المخطط "الأمريكي - الإسرائيلي"؟

 

<< ما هي الطريقة التي يمكن من خلالها إعادة تجميل وجه إيران بعد أن أصبح شديد البشاعة نتيجة دورها الإجرامي في العراق والمنطقة؟

 

<< مشروع خميني لم يكن يشكل تهديدًا لـ (إسرائيل) لأنه موجه أساسًا لتحطيم الوضع القائم عربيًا وإسلاميًا وإعادة تشكليه ليكون تحت الزعامة الإيرانية الطائفية الشوفينية

 

<< ما الهدف "الأمريكي - الإسرائيلي" الجوهري في العراق؟.. لا يوجد من يجهل أن الهدف هو تقسيم العراق، ومن يستطيع تنفيذ ذلك، عمليًا وبالدرجة الأولى، هو إيران لأنها تملك طابورًا خامسًا في العراق هو التنظيمات الصفوية

 

<< من مصلحة أمريكا و(إسرائيل) الاحتفاظ بقدرة إيران على التأثير المنضبط في داخل العراق وفي الأقطار العربية لمواصلة الدور التدميري والتقسيمي للعراق والوطن العربي

 

 

 

لتبديد الغموض المحيط بالدور الإيراني وعلاقته بالغرب و(إسرائيل) من الضروري جدًا تحديد ما المطلوب أمريكيًا و(إسرائيليًا) من إيران، لأن ذلك فقط يتيح لنا فرز الخيط الأسود عن الخيط الأبيض. لقد اتضح الآن على نحو لا يقبل الالتباسات بأن المخطط الأمريكي تجاه الوطن العربي يستند على أسس المشروع الإسرائيلي القديم - الجديد وهو مشروع ( التفتيت الطائفي العنصري للأقطار العربية )، بعد أن قامت اتفاقية سايكس بيكو بتمزيق الوطن العربي، الذي كان مفتوح الحدود وموحد الهوية أثناء الحكم العثماني، وتكريس ما كان موجودًا قبل ذلك من تشرذم. في تحديده للأطراف التي يمكنها المساهمة بفعالية في تنفيذ خطة تقسيم الأقطار العربية يقول الكاتب الإسرائيلي عوديد ينون في دراسته المعنونة (استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات)، بأن أهم طرفين يخدمان هذه الاستراتيجية هما الأقليات في الوطن العربي ودول الجوار غير العربية. فالأقليات تدعم من أجل الانفصال، وهو يعني تقسيم القطر الواحد، أو استنزافه وتحييد دوره في الصراع العربي الصهيوني، ويذكر التمرد الكردي كأنموذج لدور الأقليات في الشرذمة، كما يذكر إيران كأنموذج لدول الجوار غير العربية التي بإمكانها أن تقوم بتسهيل الشرذمة.

وإذا أخطأ البعض بافتراض أن إيران المقصودة هي إيران الشاه الموالية للغرب والصديقة لـ (إسرائيل) يضع نفسه في متاهة سوء الفهم، لأن ينون يحدد بدقة أن إيران خميني هي المقصودة، وهي التي تستحق التشجيع والدعم لتسهيل تقسيم العراق! متى كتب ينون دراسته؟ كتبها في عام 1981 أثناء الحرب بين العراق وإيران، فالتقط الموقف الصحيح إسرائيليًا وهو استخدام أي طرف لتقسيم العراق بصفته الخطر الأعظم على (إسرائيل) كما حدد ينون بدقة. ويذهل من يراقب الأحداث في العراق المحتل حين يلاحظ بسهولة أن ما قاله ينون وما طالب به ينفذ بدقة وعلى يد إيران وبدعم أمريكي كامل، فقد قال بأن (شيعة) العراق موالون لخميني ولذلك فإن من مصلحة (إسرائيل) تشجيع إيران خميني على تقسيم العراق! ومن الواضح والبديهي أن مشروع خميني لم يكن يشكل تهديدًا لـ(إسرائيل) لأنه موجه أساسًا لتحطيم الوضع القائم عربيًا وإسلاميًا وإعادة تشكليه ليكون تحت الزعامة الإيرانية الطائفية الشوفينية. وهذه المهمة لا يمكن إلا أن تقود إلى التشرذم العربي والإسلامي ونشوب حروب وصراعات عربية - إيرانية تحول طاقات العرب والمسلمين إلى هذه الصراعات فلا يبقى لمواجهة (إسرائيل) سوى التعب والإجهاد والانقسامات العربية والإسلامية. وهنا يكمن سر دعم (إسرائيل) وأمريكا لإيران خميني أثناء الحرب التي فرضها خميني على العراق، والذي اتخذ شكلًا معروفًا ورسميًا وهو فضيحة "إيران جيت"، التي قدمت أمريكا بموجبها أسلحة وعتاد حربي لإيران إضافة لمعلومات إستخبارية عن العراق، كان من أول نتائجها احتلال إيران للفاو، وفضيحة تقديم (إسرائيل) أسلحة لإيران بحجة إعادة دين في ذمة (إسرائيل) منذ زمن الشاه!

الآن علينا أن نتساءل: ما الهدف "الأمريكي - الإسرائيلي" الجوهري في العراق؟ لا يوجد من يجهل أن الهدف هو تقسيم العراق، ومن يستطيع تنفيذ ذلك، عمليًا وبالدرجة الأولى، هو إيران لأنها تملك طابورًا خامسًا في العراق هو التنظيمات الصفوية. ولذلك لم يكن غريبًا أن تكون هذه التنظيمات الصفوية هي القوة الرئيسية التي ساهمت في الغزو وشاركت في الحكم العميل الذي أقامه الاحتلال وتبنت الفيدرالية ونظام المحاصصة الطائفية والعنصرية واستخدمتها أمريكا لتدمير العراق وبأوامر إيرانية رسمية، وهو موقف عبر عنه محمد خاتمي عام 2004 حينما كان رئيسًا لإيران بقوله: (بأنه لولا الدعم الإيراني لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق).

هذه الحقيقة العيانية، التي تؤكدها كل مجريات أحداث احتلال العراق، تترتب عليها نتيجة مهمة جدًا وهي أن إكمال تقسيم العراق مازال المهمة الأساسية لأمريكا في العراق، وهو ما طالب به العديد من أعضاء الكونغرس رسميًا والخبراء والمسئولين السابقين وفي مقدمتهم هنري كيسنجر، لأن تقسيم العراق هو البوابة التي ستدخل منها عمليات تقسيم بقية الأقطار العربية وتذويب الهوية العربية، في كل مكان، لصالح أقليات طائفية وعرقية ومصالح أنانية صغيرة. وبما أن إيران كشفت وجهها الحقيقي نتيجة دورها الإجرامي الذي سهل الغزو الأمريكي وقيامها بدور أساسي وحاسم فيه، فقد أصبحت مدانة عراقيًا ومن قبل كافة مكونات الشعب العراقي خصوصًا، ومدانة عربيًا وإقليميًا، لذلك فإن دورها في تقسيم العراق والذي تنطلق منه لتقسيم الوطن العربي كله، قد أصبح مهددًا بالتوقف والفشل. فما العمل لإبقاء إيران سكينًا حادة تمزق الجسد العربي إنطلاقًا من تقسيم العراق؟ من المؤكد أن هدف تقسيم الوطن وليس تقسم إيران هو الهدف المشترك "الأمريكي الإسرائيلي"، وبما أن إيران وكما أثبتت تجربة غزو العراق هي الطرف الأقدر على نشر الفتن الطائفية فإن دورها في العراق يجب أن يستمر حتى الوصول إلى تقسيم العراق. هذه هي المصلحة "الأمريكية -الإسرائيلية" الرئيسية. أما الخلاف مع إيران فهو ثانوي وحددته بدقة السياسات الرسمية المعتمدة من قبل أمريكا وأهمها (سياسة الاحتواء المزدوج) و(سياسة محور الشر)، واللتان قالتا صراحة بأن إيران ليست عدوًا وإنما لدينا خلافات معها ويجب أن تحل بالحوار والضغط وليس بالحرب، وترجمت هاتان السياستان على أرض الواقع العراقي بمشاركة إيران في غزو العراق رغم الخلافات بينهما.

إن المعادلة الواضحة جدًا الآن التي بلورتها أحداث غزو العراق هي التالية: لايمكن غزو العراق وتقسيمه إلا بإشراك إيران في العملية نتيجة افتقار أمريكا لأي إمكانية داخل العراق وامتلاك إيران هذه الإمكانية. ولا يمكن تقسيم الأقطار العربية إلا إذا قسم العراق، ولايمكن تكريس الوجود (الإسرائيلي) والمصالح الأمريكية إلا إذا تمت شرذمة الوطن العربي. ووفق سياق هذه المعادلة التي تؤكدها الأحداث وليس النظريات، فإن العلاقات "الأمريكية – الإسرائيلية" مع إيران تبدو علاقات تلاق أو تحالف رئيسي ضد الأمة العربية مع وجود خلافات، هي ثانوية بالطبع والضرورة، حول دور إيران الإقليمي وحجم ونوعية المكافئة التي تعطى لها نتيجة خدماتها في العراق والوطن العربي. بتعبير آخر هناك اتفاقية "جنتلمن" بين هذه الأطراف الثلاثة، أي اتفاقية غير مكتوبة وإنما مقرة.

إذن من مصلحة أمريكا و(إسرائيل) الاحتفاظ بقدرة إيران على التأثير المنضبط في داخل العراق وفي الأقطار العربية لمواصلة الدور التدميري والتقسيمي للعراق والوطن العربي، والعمل ضد الدور الإيراني غير المنضبط القائم على محاولة إيران استغلال تعاونها مع أمريكا لتحقيق مكاسب أكبر مما تريده أمريكا. والسؤال الجوهري هنا هو: ما هي الطريقة التي يمكن من خلالها إعادة تجميل وجه إيران بعد أن أصبح شديد البشاعة نتيجة دورها الإجرامي في العراق والمنطقة؟

التأهيل الأساسي لإيران.. كيف ولماذا؟

لنفهم مكونات اللعبة الأمريكية الإيرانية من الضروري التذكير ببدايات تأهيل إيران لتلعب دورًا أخطر وأقوى من دورها في زمن الشاه. وفي هذا الإطار فإن إسقاط الشاه لم يكن سوى خطوة أساسية ثالثة لإعادة ترتيب المنطقة، كما دعا كيسنجر عقب حرب أكتوبر. والترتيب لم يقتصر على الأمة العربية بل كان لابد أن يشمل دولًا في الجوار وفي مقدمتها إيران، لأن الخطة الأمريكية الصهيونية كانت ضخمة وتشمل إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية والسكانية، أي تغيير التناسب السكاني وطبيعته. لذلك كان لابد من إعادة رسم الأدوار الإقليمية أولًا، ثم رسم الخارطة الاستراتيجية بإسقاط الدور العربي وإبراز الدور الإيراني ثانيًا، وأخيرًا إعادة التوزيع السكاني للوطن العربي على أسس التقسيم الطائفي العنصري، وإيران أفضل من يستطيع خدمة أمريكا و(إسرائيل) لوجود النزعة الطائفية (كغطاء للمطامع القومية) لدى نخبها الصفوية، التي وصلت للسلطة بعد توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد، في إطار تعاقب خطوات المخطط الأمريكي - الإسرائيلي، ثالثا!

هذا الدور الإيراني الاستراتيجي فشل الشاه في القيام به كما أرادت أمريكا و(إسرائيل)، وكانت اتفاقية الجزائر عام 1975 بين العراق وإيران جرس الإنذار الأول الذي دق في واشنطن لينبهها إلى أن الشاه أخذ يلعب لعبته هو وليس لعبة أمريكا، لأن احتواء العراق كان مرسومًا له أمريكيًا أن يتم عبر استنزاف التمرد البارزاني له مدعومًا بضغط إيراني شديد على العراق التقدمي، وهو تمرد كانت إيران الداعم الرئيسي له نيابة عن أمريكا. كما أن الشاه منذ النصف الثاني للسبعينيات أخذ يعمل على أساس أنه شريك وحليف لأمريكا وليس عميل أو تابع، فانضم إلى مجموعة الدول الأعضاء في أوبيك والتي كانت ترفع أسعار النفط بقرار من أوبيك، وأصابه الغرور الكامل حينما أراد أن يجعل إيران القوة الخامسة في العالم.

وأخيرًا وليس آخرًا تفاقمت نزعته القومية الفارسية لدرجة أنه أقام احتفالات أسطورية دعا إليها زعماء دول وملوك لمناسبة تأسيس إمبراطورية كورش الفارسية. فأصبح جليًا أنه يعمل من أجل مشروع قومي معادٍ للعرب وتوسعي، وهو تطور أغلق باب تأثير إيران على العراق والأمة العربية باسم الإسلام أو التشيع الصفوي وخلق حصانة ضد إيران الشاه لدى العرب والمسلمين...إلخ.

لذلك أصبح لا يصلح لخدمة الأهداف الأمريكية كما خططت أمريكا وتقرر إسقاطه، وإعادة تأهيل إيران للعب دور القوة الأساسية التي تقوم بتنفيذ المخطط الإسرائيلي الأمريكي لشرذمة العرب، أو حسب تعبير هنري كيسنجر تطبيق خطة النثار العربي، والتي تعني جعل الأمة العربية بكافة أقطارها نثارًا لا رابط يجمعه.

 

كيف تمت عملية إعادة تأهيل إيران؟

إذا استعنا بالمثل العربي الصحيح الذي يقول (أن الأمور بخواتيمها) يتضح لنا الآن، وبعد أكثر من ربع قرن، قدمت الأحداث والمواقف والوثائق خلاله تأكيدات وأدلة لا يسهل دحضها على أن أمريكا وبريطانيا اتبعتا خطة أساسية للوصول إلى جعل إيران قوة ضاربة قادرة على تغيير خارطة الوطن العربي وتذويب هويته العربية، تقوم على إعادة إنتاج ايران وتقديمها بوجه محبوب عربيًا وإسلاميًا وفي أوساط قوى التحرر العالمية بتصويرها كحركة تحرر وطني بمضمون إسلامي تحرري، وأهم منطلقات الخطة هي:

  1. إسقاط الشاه بالاعتماد على الانتفاضة الشعبية ضده والتي اشتركت فيها كل القوى الوطنية الإيرانية، وكان الدور الحاسم فيها لمنظمة (مجاهدي خلق) ولمنظمة (فدائيي خلق)، في حين كان خميني رمزًا دينيًا كبيرًا. وهذه العملية أضفت طابعًا تحرريًا على النظام الجديد في إيران مكنته من كسب احترام كل القوى التقدمية والتحررية في العالم.
  2. اختيار خميني من قبل الثوار قائدًا للثورة بسبب دوره المناهض للشاه، وليس بسبب أقدميته الدينية لأنه كان هناك من هو أقدم منه، وكان الثوار يعتقدون بأنه سيكون أبًا روحيًا للثورة فقط وأنهم سيبنون دولة إيرانية حديثة. أما الغرب، وبالأخص أمريكا وبريطانيا، فقد دعم خميني لسبب آخر، اتضح وتأكد في السنوات اللاحقة أنه خطير جدًا، وهو أن المخابرات الأمريكية والبريطانية قد درست شخصية خميني وهو في المنفى فاتضح لها أنه يتميز بسمتين مهمتين، الأولى أنه عنيد ومن الصعب تغيير رأيه، والثانية أنه معادٍ لأسباب عنصرية للعرب ويحمل أفكارًا إمبراطورية فارسية لا يمكن أن تقوم إلا على أساس تفتيت الأمة العربية وإلغاء دورها. وهذا هو أهم أهداف الغرب الاستعماري والصهيونية، والذي ابتدأ تنفيذه في العصر الحديث باتفاقية "سايكس بيكو" و"وعد بلفور"، وهو ما وضحته خطة أطلق عليها اسم (تقرير لجنة بنرمان) أو (تقرير لجنة الاستعمار)، التي وضعها حكماء أوربا (الآن نسميهم خبراء)، بطلب من الحكومة البريطانية في مطلع القرن العشرين، وقامت على زيادة تقسيم العرب وتكريسه ومنع وحدتهم بإنشاء جسم عازل بين مشرق الوطن العربي ومغربة، وهو (إسرائيل)، وحرمانهم من الحصول على العلوم والتكنولوجيا الحديثة. لذلك فإن دعم الغرب لخميني لم ينشأ لعمالته، لأنه لا يصلح أن يكون كذلك نتيجة لتمسكه بأفكاره واعتداده بنفسه، بل لأنه بحقده وعناده خير من يصلح لتدمير المنطقة والوطن العربي دون أن يخسر الغرب الكثير.
  3. تبنت الثورة شعارات حبيبة على قلوب العرب والمسلمين، وفي مقدمتها شعار التحرريين في العالم (الموت لأمريكا) وشعار الأمة العربية والأمة الإسلامية الأول (الموت لإسرائيل)، وبهذين الشعارين كسبت إيران الجديدة دعم العرب والمسلمين وقوى التحرر في العالم.
  4. لم يكشف النظام الجديد عن هويته العنصرية والطائفية بل ركز على شعارات إسلامية وغلبها، في الإعلام فقط، على الانتماء القومي والطائفي للقيادة الإيرانية الجديدة لإزالة مشاعر الخوف من مطامع إيران القومية، التي تولدت منذ آلاف السنين وتعززت في زمن الشاه، مع أن المحرك الأساسي، كما ثبت فيما بعد، كان المصلحة القومية الإيرانية.

بهذه الخطوات برزت قوة جديدة في الإقليم تحظى باحترام الكثير من مناهضي الاستعمار والصهيونية، ووضعت في موقع مناقض كليًا للموقع الذي احتله الشاه، فانتعشت قدرة إيران على التأثير داخل بعض الأقطار العربية وفي مقدمتها العراق ودول الخليج العربي، خصوصًا بوجود كتل جماهيرية مرتبطة بإيران عرقيًا أو طائفيًا وكانت معزولة لأن الشاه كان بطبيعة نظامه لا يسمح لأحد بدعمه أو الدفاع عنه.

ولكن مع تثبيت هذه السمات التحررية والإيجابية للنظام الجديد في إيران لوحظ، بقلق شديد، إنه تبنى شعارًا آخرًا أراد إمراره وتنفيذ مضامينه في ظل الأجواء الإيجابية التي خلقتها عملية تأهيل نظام خميني، وهو شعار (نشر الثورة الإسلامية)، والذي بدا جذابًا لمن لم ينتبه إلى أهدافه الحقيقية. لقد كان أول مصدر لقلق قوى التحرر العربية خصوصًا القومية منها هو أن نظام خميني، سار في طريقين: طريق تكفيري للقوى الوطنية والقومية، فعد كل من لا ينتمي للتيارات الإسلاموية كافرًا، وطريق تحديد العراق هدفًا أولًا لنشر ما أسماه (الثورة الإسلامية) بتبني هدف إسقاط نظام البعث في العراق وتحويله إلى (دولة إسلامية) على الطريقة الإيرانية، مع أن النظام في العراق كان نظامًا وطنيًا تقدميًا وهو الوحيد الذي بقي يرفض الاعتراف بـ(إسرائيل) وهو من تصدى لنهج الاستسلام للصهيونية!

وهنا بدأت التغييرات الخطيرة تطرأ على الوضع العربي والإقليمي، وبرز نظام خميني وهو يحمل رايات فلسطين ويشتم أمريكا و(إسرائيل) في طقوس وثنية متعصبة جدًا تشبه طقوس المجوس وهم يرقصون حول النار! وكان مطلوبًا أمريكيًا و(إسرائيليًا) أن تنجح إيران خميني في قلب قواعد الصراع الإقليمي ودوافعه وأهدافه جذريًا، فبدلًا من وجود اتفاق عربي إسلامي على أن (إسرائيل) وأمريكا هما مصدر الخطر الأكبر في الوطن العربي كان يجب أن يطغى خطر إقليمي داخلي ويحل محل الخطرين الأمريكي و(الإسرائيلي) هو خطر الانقسام الإسلامي.

فمن قام بأحداث هذا التحول الخطير؟ إنه نظام خميني الذي حمل شعارات دينية، تجنبت الشعارات الطائفية في البداية لأجل كسب عموم المسلمين، وركز هجماته الإعلامية على أمريكا ووصفها بالشيطان الأكبر و(إسرائيل)، وراح يزايد على القوميين العرب في ذلك ، لكنه دس بين هذه الشعارات هدف إسقاط وتدمير التيار القومي العربي، الأقوى والذي أقام تجربة ناجحة في العراق! ولم يكن موقف خميني مجرد دعوة لقلب النظام الوطني في العراق وإسقاط أنظمة الخليج العربي وغيرها بل كان، قبل ذلك وبعده، عملية تأريخية كبرى لإعادة تشكيل المنطقة بطريقة تضمن زعامة إيران ونشر الدعوة الصفوية المتبرقعة باسم الاسلام!

وكان الأسلوب الأساسي لنشر الدعوة الصفوية الخمينية هو العنف وليس الحوار! وهكذا وجدت المنطقة نفسها تواجه إيران جديدة تحمل شعارات ضد أمريكا و(إسرائيل) لكن رصاصها القاتل كان يوجه ضد الأقطار العربية. صحيح أن الهدف الرسمي كان إسقاط أنظمة عربية بعضها مرتبطة بالغرب لكن المشكلة الأكبر التي واجهت العرب هي أن النظام الجديد ينطلق من هدف قومي وهو تغليب القومية الفارسية وإقامة إمبراطوريتها وتغييب العرب وشرذمتهم وتذويب هويتهم القومية. وهذا المخطط يشمل بقية المسلمين من خلال نشر التشيع الصفوي على حساب انتماء أغلبية المسلمين مما يؤدي حتمًا، وبغض النظر عن نوايا خميني، إلى حروب طائفية بين المسلمين. بدلًا من التوجه نحو محاربة (إسرائيل) اتجه خميني إلى محاربة العرب، وكان الشعار التمويهي الخطير الذي رفعه هو (تحرير القدس عبر تحرير بغداد)! وبما أن هذا الهدف لا يمكن عمليًا تحقيقه إلا بالحرب فإن نظام خميني دخل حربًا لم تقوده إلى القدس بل إلى تمزيق العرب والمسلمين!

(شبكة البصرة)

 

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.