صورة المرأة في الفولكلور الكردي... حضور متجذر عبر العصور

- 20 يونيو 2025 - 4 قراءة

بين أزقة القرى العتيقة، ينبض الفولكلور الكردي بروح التاريخ الحي، حيث تتراقص الحكايات على ألسنة الأجداد، وتنسج الأغاني خيوط الحنين والمقاومة. في قلب هذا التراث الغني، تتجلى المرأة الكردية كنبضٍ لا يهدأ، وكحكاية أبدية ترويها الألحان والأساطير، وتعكسها الطقوس والعادات. إنها الراوية والحارسة، الحبيبة والمحاربة، الأم والحكيمة، التي تجسد في حضورها صدى الأرض وصوت الحرية.

فالفولكلور الكردي يُعد جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية للشعب الكردي؛ إذ يعكس تاريخه الغني وتراثه العريق الممتد عبر قرون. ولا شك أن المرأة الكردية تلعب دورًا جوهريًا في هذا الفولكلور، سواء كراوية للحكايات، أو مغنية للأغاني الشعبية، أو رمزاً للنضال والقوة. وهنا، سوف نستكشف كيف تجلت المرأة في الفولكلور من خلال الحكايات والأساطير، والأغاني الشعبية، والأمثال والعادات، ودورها الاجتماعي والثقافي ، وكيف أصبحت رمزًا للأمل والقوة في ذاكرة الأجيال. ولكن قبل هذا لابد أن نوضح ماهية الفولكلور بشكل عام.

ماهية الفولكلور

بيد أن هناك العديد من التعريفات التي تناولت مفهوم الفولكلور، ولكن من خلال زوايا مختلفة ومتنوعة، من قبيل:

  • منظمة اليونسكو

يُعرَّف الفولكلور أو التراث الشعبي بأنه "مجموعة الممارسات، والتقاليد، والعادات، والمعارف، والتعبيرات الثقافية التي تنتقل من جيل إلى جيل شفهيًا أو بالممارسة، وتشمل الحكايات الشعبية، والموسيقى، والرقص، والأمثال، والحرف اليدوية، والاحتفالات، والعادات الاجتماعية، والطقوس، والمعتقدات الخاصة بمجتمع معين". ويُعتبر الفولكلور جزءًا مهمًا من التراث الثقافي غير المادي، حيث يعكس الهوية الثقافية للشعوب ويسهُم في تعزيز التنوع الثقافي والحوار بين المجتمعات.

  • جمعية الفولكلور الأمريكية  (AFS)

عرفت الجمعية الفولكلور "بأنه التعبير الإبداعي للمجموعات البشرية، والذي ينتقل بطريقة غير رسمية من شخص إلى آخر، ويتجسد في القصص، والعادات، والفنون الشعبية، والممارسات التقليدية، وغيرها من أشكال الثقافة الشعبية "؛ أي أنها الأشكال التعبيرية التقليدية للثقافات المختلفة، بما في ذلك التقاليد الشفوية، والممارسات الاجتماعية، والطقوس، والمعتقدات، والفنون الحرفية، والموسيقى، والرقص، وغيرها من أشكال التعبير التي تنتقل بين الأفراد والمجموعات عبر الأجيال."

يركز هذا التعريف على الفولكلور باعتباره مكونًا أساسيًا للهوية الثقافية، يتم تناقله شفهيًا أو بالممارسة، ويعكس القيم والتجارب المشتركة داخل المجتمعات.

أما تعريف الفولكلور عند آلان دندس  (Alan Dundes)، عالم الأنثروبولوجيا والفولكلور، " هو مجموعة العناصر الثقافية التقليدية التي يتناقلها الأفراد شفهيًا أو من خلال الممارسة، وهو يتضمن الحكايات الشعبية، والموسيقى، والرقص، والمعتقدات، والعادات، والأمثال، والحرف اليدوية."

وعن الفولكلور فى المنظور العربى، فهو " التراث الشعبي الذي يشمل العادات والتقاليد والممارسات الثقافية التي تعبر عن هوية المجتمع، ويتم تناقلها عبر الأجيال من خلال الرواية الشفهية والممارسات الاجتماعية."

ووفقًا لعالم الفولكلور الإنجليزي ويليام توماس (William Thoms): الذى أوضح أن الفولكلور هو " العلم الذي يدرس تقاليد وعادات وأساطير الشعوب، ويهتم بجمع ودراسة وتحليل الثقافة غير الرسمية المتوارثة داخل المجتمعات."

بيد أن معظم الباحثين اتفقوا على أن الفولكلور هو مجموعة من العادات والممارسات والمعتقدات والقصص والأساطير والموسيقى والفنون الشعبية التي تنتقل عبر الأجيال بشكل غير رسمي، وتُشكل جزءًا مهمًا من الهوية الثقافية لأي مجتمع ، ومن هنا يُمكن القول بأن الفولكلور هو تراث مادى غير ملموس ، ولا غروا أن المرأة قد لعبت دورًا حيويًا بل دورًا رياديًا فى هذا التراث عبر التاريخ وفى كل المجالات .

المرأة في الحكايات والأساطير الكردية

تُشكل الحكايات والأساطير الكردية مصدرًا أساسياً لفهم صورة المرأة في الخيال الشعبي. فقد صُوِّرت المرأة في هذه الحكايات بشخصيات متنوعة، منها الحكيمة، والمحاربة، والعاشقة، والأم الحنون. ومن أشهر الأساطير الكردية التي تتمحور حول المرأة هي قصة "خجى ومَمي"، وهي قصة حب مأساوية تشبه "روميو وجولييت" و"مم وزين"، حيث تُمثل البطلة "خجى" رمزًا للوفاء والعاطفة العميقة. كما نجد في الأساطير الكردية شخصيات نسائية تتمتع بالقوة، مثل "زاخا" التي كانت مُحاربة شجاعة، وقائدة يُضرب بها المثل في الذكاء والشجاعة. فالمرأة في الحكايات والأساطير الكردية تحتل مكانة بارزة وتعكس دورها الاجتماعي والثقافي عبر التاريخ. ومن بين أبرز الملامح التي تميز تصوير المرأة في الفولكلور الكردي:

  1. المرأة البطلة والمقاتلة

في العديد من الأساطير الكردية، تظهر المرأة كمحاربة شجاعة تقاتل الظلم، مثل شخصية "كاوا الحداد" في الأسطورة الكردية التي تتناول مقاومة الطغيان، حيث تلعب النساء أدوارًا مهمة في دعم الأبطال والمشاركة في الثورة.

  1. المرأة الحكيمة والساحرة

تظهر المرأة في بعض الحكايات الشعبية كحكيمة تمتلك معرفة واسعة، أو حتى ككائن سحري يُساعد الأبطال في تحقيق أهدافهم. مثال على ذلك الشخصيات النسائية اللواتي يمتلكن القدرة على التنبؤ بالمستقبل أو استخدام الأعشاب للشفاء مثل "شهرزاد الكردية" و "العجوز الحكيمة".

  1. المرأة المعشوقة والضحية

في بعض القصص، تُمثل المرأة رمزًا للحب والتضحية، كما في حكاية "مم وزين"، والتي تجسد قصة حب مأساوية تشبه "روميو وجولييت"، حيث تعاني البطلة زين من القيود الاجتماعية التي تمنعها من الزواج بحبيبها مم، مما يؤدي إلى نهاية مأساوية تعكس واقع العادات والتقاليد القاسية.

  1. المرأة كرمز للخصوبة والطبيعة

ترتبط بعض الأساطير الكردية بالمرأة كرمز للخصوبة والأرض، حيث يُنظر إليها على أنها حامية الطبيعة والمواسم، وهو امتداد للاعتقاد القديم بقدرة المرأة على منح الحياة كــ "أسطورة عشتار" و"خاتو زين" و"شهلة وجميل".

  1. المرأة والأسطورة الدينية والميثولوجيا

في بعض المعتقدات الكردية القديمة، نجد شخصيات نسائية ذات طابع مقدس أو روحاني، مثل الأرواح الحارسة أو الآلهة القديمة التي ترمز للحماية والخصوبة، مما يعكس تأثر الفولكلور الكردي بالموروثات الدينية والميثولوجية القديمة من قبيل أسطورة "شاهماران"  التى تحكي عن امرأة نصفها العلوي بشري ونصفها السفلي أفعى، وهي رمز للحكمة والمعرفة، لكنها تتعرض للخيانة من قبل البشر رغم حكمتها ورؤيتها المستقبلية. وكذلك " خاتو زينب"  التى عُرفت بحكمتها وتأثيرها الروحي، حيث تمتلك قوى روحية وتلعب دورًا في إرشاد الناس.

تكشف الحكايات والأساطير الكردية عن صورة غنية ومتنوعة للمرأة، فهي ليست مجرد تابع أو شخصية هامشية، بل غالبًا ما تكون محور القصة أو تمتلك الدور الرئيسى فيها. مما يعكس ذلك المكانة التي حظيت بها المرأة في المجتمع الكردي عبر العصور، بين القوة والضعف، بين الحكمة والعاطفة، وبين الواقع والأسطورة.

المرأة في الأغاني الشعبية الكردية

تُمثل الأغاني الشعبية جزءًا مهمًا من الفولكلور الكردي، وتتنوع موضوعاتها بين الحب، والفراق، والشوق، والنضال. ومن أبرز الألوان الغنائية التي تعكس دور المرأة:

  • أغاني الحب: حيث تحتل المرأة مكانة مركزية باعتبارها المعشوقة أو العاشقة، وتُعبر الأغاني عن مشاعر الحب العميقة والانتظار الطويل، مثل أغنية "لوري لوري" التي تغنيها النساء لأحبائهن.
  • أغاني الحزن والفراق: التي تروي معاناة النساء نتيجة فقدان الأحبة بسبب الحروب أو الاضطهاد، ومنها أغاني "ديلان" التي تعبر عن الحزن واللوعة.
  • أغاني العمل: تلك التي تُغنيها النساء أثناء القيام بأعمالهن اليومية، مثل الحصاد والغزل، حيث تُعد هذه الأغاني وسيلة للتعبير عن مشاعرهن وتجاربهن اليومية.

المرأة في الأمثال والحكم الكردية

قد عكست الأمثال والحكم الشعبية رؤية المجتمع الكردي للمرأة عبر العصور المختلفة، وتلعب الأمثال والحكم دورًا رئيساً في نقل القيم والتقاليد الثقافية في المجتمعات ، كما تعكس نظرة المجتمع للمرأة ودورها في الأسرة والمجتمع. وتمتاز الأمثال الكردية بالتوازن بين تصوير المرأة كمصدر للحكمة والقوة، وأحيانًا كمصدر للفتنة والتحدي، مما يعكس تنوع الرؤى تجاهها. وهناك بعض الأمثال تُمجد المرأة وتشيد بحكمتها، مثل:

  • "المرأة الحكيمة تبني بيتًا، والمرأة الجاهلة تهدمه".
  • "الأم وطن، ومن يفقد وطنه يُصبح بلا روح".

تعكس هذه الأمثال القيم المتجذرة في الثقافة الكردية، حيث يُنظر إلى المرأة كركيزة أساسية في المجتمع، سواء في الأسرة أو في الحياة العامة.

دور المرأة في الطقوس والعادات الكردية

تلعب المرأة دورًا محوريًا في العادات والتقاليد الكردية، خاصة في المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والمآتم. وفي حفلات الزواج، تؤدي النساء أدوارًا بارزة مثل غناء الأغاني التقليدية والرقص الشعبي (الدبكة)، كما تُشارك العروس في طقوس خاصة تعكس الموروث الثقافي، مثل رسم الحناء الذي يرمز إلى الفرح والتفاؤل. وفي المآتم، تؤدي النساء دورًا أساسيًا في التعبير عن الحزن، حيث تُغني "لوج" وهي نوع من الغناء الرثائي الحزين. وفي الأعياد والمناسبات القومية، تلعب المرأة دورًا في الحفاظ على التقاليد من خلال ارتداء الأزياء الكردية التقليدية مثل "الكوا"، والمشاركة في الاحتفالات مثل عيد "نوروز" الذي يُمثل رمزًا للحرية والتجدد.

المرأة الكردية رمز للنضال في الفولكلور

يُظهر الفولكلور الكردي المرأة ليس فقط كأم وزوجة، بل كمحاربة ومناضلة تقف في وجه الظلم. من الأساطير إلى الأغاني الشعبية، ومن الأمثال إلى النضال الحديث، وتبقى المرأة الكردية رمزًا للمقاومة والحرية. تحتل مكانة مميزة في الفولكلور بوصفها رمزًا للنضال والمقاومة. في الأغاني والأشعار الشعبية، وتظهر شخصيات نسائية قوية تُقاتل من أجل حقوقهن وأرضهن. كما يُخلد الفولكلور بطولات نساء كرديات مثل "ليلى قاسم" التي أصبحت أيقونة للمقاومة في الذاكرة الكردية.

لا شك أن الفولكلور الكردي يُمثل مرآة تعكس دور المرأة في المجتمع عبر العصور، حيث نجدها حاضرة بقوة في الحكايات والأساطير، والأغاني والأمثال، والعادات والطقوس. ورغم بعض التصورات التقليدية، فإن المرأة الكردية تبقى رمزًا للحكمة، والعاطفة، والنضال، مما يعكس قيم المجتمع الكردي وتاريخه العريق ومن هنا تأتى أهمية هذا التراث الذى يُعد مرأة الشعوب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* دكتوراه التاريخ الحديث والمعاصر

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.