"الجهاد الأمريكي"... من أفغانستان إلى سوريا

- 20 يونيو 2025 - 6 قراءة

مستشار الرئيس "كارتر" للأمن القومي الأمريكي وصف الحركات الجهادية المسلحة بأنهم "بعض المسلمين المهتاجين"!

 

هيلاري كلينتون: استخدمنا "المجاهدين العرب" أولًا كمخلب قط في الاستراتيجية الأمريكية ضد الروس

 

منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ظهر جدال إعلامي وسياسي مرير في الولايات المتحدة، عما إذا كان دعم واشنطن للحرب الجهادية ضد "الاتحاد السوفييتي" السابق في أفغانستان، بعد أن احتل الروس هذا البلد عام 1979، أسفر في النهاية عن دعم "المجاهدين"، وأنتج "مقاتلي عصابات" من الإسلاميين في العراق وسوريا، وكيف جرى ذلك، ثم كيف تحول "الصديق" بعدها إلى عدو؟!

غير أن قصة تبني الولايات المتحدة لبعض الفصائل "الجهادية" من أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، إلى سوريا مؤخرًا، قصة طويلة عمرها نحو 45 عامًا. ومرّت العلاقة بين "الجهاديين" وواشنطن خلال هذه الأعوام الطويلة، بتحولات وتغيّرات حتى شاهدنا في نهاية المطاف نوعًا من "الجهاد الأمريكي".

وفي كتابه "حروب الأشباح: التاريخ السري لوكالة المخابرات المركزية وأفغانستان وبن لادن، من الغزو السوفييتي حتى 10 سبتمبر 2001"، يقول الكاتب الأمريكي ستيف كول، إنه "بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان، صممّ البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية على قتل أكبر عدد ممكن من الجنود الروس، والرغبة في استعادة بعض الهالة من الرجولة القاسية بالإضافة إلى المصداقية التي كان قادة الولايات المتحدة يخشون أنهم فقدوها بعد خسارتهم شاه إيران".

ورأى ويليام كيسي، مدير وكالة المخابرات المركزية بين عامي 1981 و1987، الذي كان منتميًا لجماعة "فرسان مالطا" الصليبية، أن "الإسلام السياسي" والكنيسة الكاثوليكية كحليفين طبيعيين في الاستراتيجية المضادة للعمل السري للوقوف في وجه الإلحاد الشيوعي، ولإحباط التمدد السوفيتي. وكان يعتقد أن السوفييت يحاولون ضرب الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى والدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط.

وحسب الكتاب، كان كيسي، واضع نظرية "الحلف الجهادي" الديني ضد الشيوعية، يخلط أحيانًا بين المنظمات الكاثوليكية العلمانية مثل "أوبوس داي"، و"الإخوان المسلمين"، وهي المنظمة المصرية، التي كان أيمن الظواهري، الملازم الأول لأسامة بن لادن، عضوًا متحمسا فيها.

ولم يتوان كيسي عن الظهور بمظهر الداعية الإسلامي لتعبئة "المجاهدين" الأفغان، فبناءً على اقتراح من المخابرات الباكستانية، ذهب كيسي إلى حد طباعة آلاف النسخ من المصاحف، التي أرسلها إلى الحدود الأفغانية لتوزيعها في أفغانستان وأوزبكستان السوفيتية.

وبموازاة الجهود التي كانت تبذلها "سي آي ايه"، لدعم الفصائل الأفغانية المتشددة عبر باكستان، كان الكونجرس الأمريكي بدوره، يقوم بعمل مماثل، إذ شكلّت أفغانستان حالة فريدة من نوعها لمشاركة الكونجرس في برنامج مساعدات سري "للمجاهدين الأفغان".

وعلى الرغم من علامات الفساد في كل من برامج المساعدات العسكرية والإنسانية لأفغانستان في عام 1982، قدّم الكونجرس في المحصلة ما يقرب من 3 مليارات دولار كمساعدات سرية "للمجاهدين"، أي أكثر من جميع العمليات السرية الأخرى لوكالة المخابرات المركزية في الثمانينيات مجتمعة.

وعندما كتب إدموند ماكويليامز، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية إلى المقاومة الأفغانية بين عامي 1988-1989 أن "السلطة الأمريكية ومليارات الدولارات المتأتّية من تمويل دافعي الضرائب، قد اختطفت في نهاية الحرب من قبل عصابة لا ترحم معادية للولايات المتحدة من الإسلاميين وضباط الاستخبارات الباكستانية المصممين على فرض إرادتهم على أفغانستان"، هاجمه مسؤولو وكالة المخابرات المركزية، وروجوا عنه قصصًا قبيحة في السفارة، وشوّهوا سمعته بأنه "مثلي الجنس" ومدمن كحول!

 

صناعة "العدو المفيد"

 

خلال العقود الأخيرة، كان ثمة أسئلة راودت أذهان الكثير من الأمريكيين، نخبًا وأفرادًا عاديين، من بينها: كيف استطاعت واشنطن تسليح ودعم فصائل كاملة من "الإسلاميين الجهاديين" على رأسهم أسامة بن لادن، الذين تحوّلوا فيما بعد إلى أعداء؟ وكيف انتهى الأمر بواشنطن بالطائرات المخطوفة وهي تحطم الأبراج على الأراضي الأمريكية في عام 2001؟ وكيف، ردًا على ذلك، أطلقت "حربًا عالمية على الإرهاب"، رغم أنها هي من صنعت الإرهاب؟

وفي مقابلة مع مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" ‏الفرنسية عام 1998، سُئل زبيجنيو بريجنسكي، مستشار الرئيس جيمي كارتر للأمن القومي: هل أنتم نادمون على دعمكم للأصولية الإسلامية في أفغانستان، ومن بينها حركة "طالبان" الأفغانية التي قدمت السلاح والنصائح لإرهابيين في المستقبل؟

قال بريجنسكي: ما هو الأهم في تاريخ العالم؟ "طالبان" أم انهيار الإمبراطورية السوفييتية؟ بعض المسلمين "المهتاجين" هنا وهناك، أم تحرير وسط أوروبا ونهاية الحرب الباردة؟!

ولم يكن بريجنسكي، هو آخر مسؤول أمريكي يعترف بأن بلاده هي أول من صنع الجماعات الجهادية، فقد كشف السيناتور الأمريكي ريتشارد بلاك، وهو عقيد متقاعد شارك في فيما يُسمى "قوات التحالف الدولي" في سوريا، أن أمريكا وحتى قبل الحرب في سوريا كانت داعمة بشكل رسمي لتنظيم "القاعدة"، مشيرًا إلى أن المخابرات الأمريكية زودت كل من "القاعدة وداعش" بالإمدادات في عملية سرية، وسلّمتهما قنابل مضادة للدروع وأخرى مضادة للطيران.

وفي عام 2014، فاجأت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، العالم باعترافها بأن أمريكا هي من خلقت تنظيم "القاعدة" الذي تقاتله اليوم، وأن ذلك تم لأسباب متصلة بصراع كوني مع الاتحاد السوفييتي السابق، وأن المخابرات الباكستانية وغيرها لعبت دورًا كبيرًا في دعم التصور الأمريكي لوقف محاولة التمدد الروسي في أفغانستان واقترابه من المياه الدافئة، واستخدام "المجاهدين العرب" أولًا، كمخلب قط في الاستراتيجية الأمريكية ضد الروس.

وحسب هيلاري كلينتون، فإن تنظيم "القاعدة" على الأقل في مرحلة التأسيس، كان جزءًا من تصور أمريكي هدفه الانفراد بقيادة العالم، وأن تصبح أمريكا القطب الأوحد، وتأكيد "نهاية التاريخ" وفق أفكار المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما.

وأشارت كلينتون، إلى أنه تم استخدام "السلفية" وتوظيفها في هذه المسألة، لأن أغلب الشباب العرب وقتها، وعلى رأسهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، كانوا متأثرين بالفكر السلفي الذي اكتسح عقول الشباب العربي في مرحلة السبعينات والثمانينيات.

ويروّج اليسار الأمريكي، لما يُطلق عليه "نادي السفاري"، وهو تحالف وكالات الاستخبارات المختلفة في الشرق الأوسط، والتي تنسق مع الـ "سي أي إيه"، وتأسس في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، ولعب الفرنسيون الدور الأكبر في التنسيق له.

وبناء على هذا التحالف، دعم الغرب الخميني وأسقط الشاه في إيران، ورتب لدعم حركة "الإخوان المسلمين" في مصر للثورة الإيرانية، الفكرة الرئيسية التي ستتطور مع الزمن في علاقة أمريكا وأوروبا بالعالم الإسلامي، ومن ثم دعم تنظيمات مثل "داعش"، في عملية طويلة الأمد ومعقدة تقوم على فكرة "فتح جروح" التنوع الطائفي والعرقي في المنطقة، لكي يقاتل الناس بعضهم بعضًا بعيدًا عن التحالف في مواجهة المصالح الغربية الرأسمالية.

ومن الأمور المستقرة في الفكر السياسي الأمريكي منذ عهد إدارة ريتشارد نيكسون، أن المصالح الأمريكية والغربية عمومًا، بما في ذلك مصلحة (إسرائيل)، في العالم الإسلامي، تولد بالضرورة علاقات مع هذا العالم فهو قلب "قوس الأزمات"، وهو آخر منطقة كبرى من مناطق العالم الحر المجاورة مباشرة للاتحاد السوفييتي، وتحت أرضه حوالي ثلاثة أرباع احتياطات العالم النفطية، وهو مكان إحدى أكبر الأزمات قابلية للتفاعل في القرن العشرين، وتلك هي مواجهة الصهيونية للقومية العربية.

ومن ثم، فإن "المجاهدين العرب" والجهاد الأفغاني والمسلمين الذين ذهبوا إلى أفغانستان للدفاع عن العالم الإسلامي وحدوده في مواجهة الغزو الشيوعي الإلحادي لأفغانستان، جرى توظيفهم من دون أن يدروا في سياق خطط كانت أكبر أجهزة المخابرات تشرف عليها، سواء في أمريكا أو غيرها، لكي نصل حاليًا إلى نسخة "الجهاد الأمريكي" في سوريا.

 

رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.