«طريق السبايا».. بين الواقع التاريخي والتوظيف السياسي والطائفي (3)

- 11 ديسمبر 2021 - 1274 قراءة

<< بدر الدين لؤلؤ الملقب بالملك الرحيم حاكم الموصل الأتابكي هو من اهتم بنشر المراقد والمشاهد والمقامات في الديار السنية في الموصل وما حولها

<< يدّعون أن في تكريت مشهدًا لعلي رضي الله عنه يذكره الهروي في كتابه الإشارات

 

مشاهد ومقامات وأضرحة على (طريق السبايا) المثار اليوم وبيان حقيقتها

من المعروف أنه كثر بناء المشاهد والمراقد والأبنية ونسبتها إلى آل البيت وشهدائهم في البلدان الإسلامية إحياءً لذكراهم وظهور هذا العدد الكبير من المواضع المنسوبة إلى آل البيت رضي الله عنهم في تلك الفترة، يرجع بالدرجة الأولى إلى ظاهرة انتشار التشيع ـ بمفهومه العام ـ حيث رأينا قيام دول أو دويلات شيعية في المنطقة الممتدة من العراق إلى مصر، كالدولة الفاطمية، والدولة البويهية، والدولة الحمدانية، وبني مرداس، وبني مزيد إضافة إلى بعض المتصوفة المحسوبين على أهل السنة ممن ينحلون نفس طريق الشيعة في تعظيم المراقد والمشاهد وينسبون طرقهم الصوفية لآل البيت رضي الله عنهم، بل أن تعظيم القبور موجود عند كل الملل والنحل، لذلك نرى على الدوام هناك اختراعات لمراقد ومشاهد تنسب لآل البيت رضوان الله تعالى عليهم، وأن اهتمام الشيعة بالمشاهد والمزارات الموجودة إضافة الى الاستمرار باختراع مقامات جديدة في عدة أماكن له مقاصد طائفية وسياسية وديموغرافية وتجارية كما سنرى.

وممن اهتم بذلك ونشر المراقد والمشاهد والمقامات في الديار السنية في الموصل وما حولها المدعو بدر الدين لؤلؤ الملقب بالملك الرحيم حاكم الموصل الأتابكي.

المقامات والأضرحة: في الطريق السلطاني

     المقامات والمشاهد التي سنتطرّق إليها في بحثنا هذا هي المذكورة في هذا الطريق الذي تزعم العتبة الحسينية سلوكه من قبل الركب الحسيني والذي يطلق عليه الشيعة "طريق السبايا".

اعتمد الشيعة في تثبيت هذه المزارات والمقامات بصورة كبيرة على كتاب الإشارات للهروي كما ذكر الشيخ المهاجر في كتابه موكب الأحزان مما نقلناه قبل قليل.

والمقامات والقبور التي سنتطرق إليها على نوعين:

  1. نموذج مقام أو قبر لشخصية لم يثبت وجودها تاريخيًا أصلًا.
  2. نموذج مقام أو قبر لشخصية موجودة لكن لم يثبت دفنها حيث بُني مقامها.

القسم الأول: المقامات والمشاهد في العراق

  • مشاهد تكريت

     يدّعون أن فيها مشهدًا لعلي رضي الله عنه يذكره الهروي في كتابه الإشارات (بها مشهد علي بن أبى طالب رضى الله عنه، وبها قبر يزعمون أنه قبر علي بن أبى طالب رضى الله عنه والله أعلم)(1)

     هكذا يذكره الهروي بقوله (يزعمون) وهذا أمر مهم جدًا أن الهروي ينقل ما رآه وليس ينقل الحقيقة العلمية التاريخية على صحة هذه المقامات من عدمها، فالرجل مجرد رحالة ينقل ما يراه وليس محققًا يتابع صحة وجود هذا المقام تاريخيًا، ولذلك نراه في غالب ذكره لهذه المشاهد ينهيها بعبارات (يزعمون يقولون والله أعلم) وهذه العبارات في المرويات لا تجعلها أدلة يستدل بها في التحقيق التاريخي العلمي للإثبات كما سنرى في الكلام عن المشهد المزعوم للمزعومة خولة بنت الحسين رضي الله عنه والسقط (الطرح) المزعوم. وهذا الحال مع غالب المؤرخين الذين يذكرون هذه القبور والمقامات.

     والهروي لا يصحح الخطأ الظاهر بزعمهم أن في تكريت قبرًا لعلي رضي الله عنه وهو يعلم يقينًا أن عليًا رضي الله عنه قتل في مسجد الكوفة ودفن هناك في منطقة ما وهو لم يدخل تكريت في حياته، فكيف لا يصحح هذه المعلومة الباطلة مثلما فعل في تصحيح غيرها ويكتفي بقوله يزعمون ذلك!

     ويذكرون في كتبهم أن الركب مر من أمام تكريت فخرج أهلها مستبشرين فرحين لمقتل الحسين رضي الله عنه ولاستقبال جيش يزيد.

     ينقل الطريحي، عن مسلم الجصّاص قوله: (فلما وصلوا إلى تكريت أنفذوا إلى صاحب البلد أن تلقّانا (كذا) فإنّ معنا رأس الحسين وسباياه! فلما أخبرهم الرسول بذلك نُشرت الأعلام، وخرجت الغَلمة يتلقّونهم! فقالت النصارى: ما هذا؟ فقالوا: رأس الحسين! فقالوا: هذا رأس ابن بنت نبيّكم!؟قالوا: نعم.

     قال: فعظم ذلك عليهم، وصعدوا إلى بِيَعهم وضربوا النواقيس تعظيمًا لله ربّ العالمين! وقالوا: اللّهم، إنّا إليك بُراء ممّا صنع هؤلاء الظالمون) (2)

     وقال القندوزي: (فلما وصلوا إلى بلد تكريت نُشرت الأعلام، وخرج الناس بالفرح والسرور! فقالت النصارى للجيش: إنّا بُراء ممّا تصنعون أيّها الظالمون! فإنّكم قتلتم ابن بنت نبيّكم، وجعلتم أهل بيته أُسارى) (3)

     هكذا ينشرون هذه الروايات الفاسدة ليبينوا أن النصارى حزنت على مقتل الحسين رضي الله عنه والمسلمون لم يحزنوا ولذلك يحملون الأمة مقتله ويلعنونها كما جاء في دعاء الزيارة بقولهم (لعن الله أمة قتلتك، لعن الله أمة ظلمتك، لعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور والبدعة عليكم أهل البيت.) (4)

     لذلك هؤلاء حاقدون على تكريت إلى اليوم بسبب هذه الروايات المكذوبة والتي تزرع الحقد والضغينة في النفوس، حتى نعرف ماذا تفعل هذه الروايات المكذوبة في نشر الحقد والطائفية في قلوب الشيعة على أهل تلك المدن. ما رأيناه اليوم على أرض الواقع من الميليشيات الطائفية الإرهابية الموالية لإيران مما تشيب له الولدان من الجرائم التي فعلوها بتلك المناطق عندما تمكنوا منها. كل ذلك بسبب هذه الروايات التاريخية المكذوبة الخبيثة التي أوغرت صدور الشيعة بالشحن الطائفي والحقد.

اسمعوا إلى هذا المقطع المصور للمعمم الطائفي صلاح الطفيلي كيف يحرض على أهل تكريت (5)

مشاهد الموصل

     وهي مدينة في شمال "العراق" اليوم على شاطئ نهر دجلة، تبعدُ عن "الكوفة" حوالي  575 كلم.

بدر الدين لؤلؤ

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:

الملك الرحيم، السلطان بدر الدين أبو الفضائل لؤلؤ الأرمني النوري الأتابكي مملوك السلطان نور الدين أرسلان شاه ابن السلطان عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صاحب الموصل.

كان من أعز مماليك نور الدين عليه، وصيره أستاذ داره وأمره، فلما توفي تملك ابنه القاهر، وفي سنة وفاة الملك العادل سلطن القاهر عز الدين مسعود ولده ومات رحمه الله، فنهض لؤلؤ بتدبير المملكة، والصبي وأخوه صورة، وهما ابنا بنت مظفر الدنى صاحب اربل، أقامهما لؤلؤ واحدًا بعد واحد، ثم تسلطن هو في سنة ثلاثين وست مئة.

وكان بطلًا شجاعًا حازمًا مدبرًا سائسًا جبارًا ظلومًا، ومع هذا فكان محببًا إلى الرعية، فيه كرم ورئاسة، وكان من أحسن الرجال شكلًا، وكان يبذل للقصاد ويداري ويتحرز ويصانع التتار وملوك الإسلام، وكان عظيم الهيبة خليقًا للإمارة، قتل عدة أمراء وقطع وشنق وهذب ممالك الجزيرة، وكان الناس يتغالون ويسمونه قضيب الذهب، وكان كثير البحث عن أحوال رعيته. عاش قريبًا من تسعين سنة ووجهه مورد وقامته حسنة، يظنه من يراه كهلًا، وكان يحتفل لعيد الشعانين لبقايا فيه من شعار أهله، فيمد سماطًا عظيمًا إلى الغاية، ويحضر المغاني، وفي غضون ذلك أواني الخمور، فيفرح وينثر الذهب من القلعة، ويتخاطفه الرجال،

وقيل: إنه سار إلى خدمة هولاكو، وتلطف به وقدم تحفا جليلة، منها جوهرة يتيمة، وطلب أن يضعها في أذن هولاكو فاتكأ ففرك أذنه، وأدخل الحلقة في أذنه ثم رجع إلى بلاده متوليًا من قبله، وقرر عليه مالًا يحمله، ثم مات في ثالث شعبان بالموصل سنة سبع وخمسين وست مئة.

فلما مات تملك ولده الملك الصالح إسماعيل وتزوج بابنة هولاكو فأغضبها وأغارها، ونازلت التتار الموصل، واستمر الحصار عشرة أشهر، ثم أخذت، وخرج إليهم الصالح بالأمان فغدرا به، واستباحوا الموصل، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وبدر الدين ممن كمل الثمانين، وكان ابنه الصالح إسماعيل قد سار في العام الذي قتل فيه إلى مصر، واستنجد بالمسلمين وأقبل فالتقى العدو بنصيبين فهزمهم، وقتل مقدمهم إيلكا، فتنمر هولاكو، وبعث سنداغو، فنازل الموصل أشهرا، وجرى ما لا يعبر عنه. (6)

وقال الدكتور راغب السرجاني (وخيانة أعظم من بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل، فبدر الدين لؤلؤ لم يكتف بتسهيل مهمة التتار، وبالسماح لهم باستخدام أراضيه للانتقال والعبور، بل أرسل مع التتار فرقة مساعدة تعينهم على عملية "تحرير العراق" ((احتلال العراق)) من حكم الخلافة العباسية!!

ومن الجدير بالذكر أن بدر الدين لؤلؤ قام بهذه الخيانة وهو يبلغ من العمر ثمانين عاماً! وقيل: مائة! وجدير بالذكر أيضًا أنه مات بعد هذه الخيانة بشهور معدودات، ونسأل الله حسن الخاتمة.) (7)

وقال الدكتور حسن الشميساني: (فمن المعروف أنه كثر بناء مثل هذه المشاهد والأبنية ونسبتها لآل البيت وشهداءهم أحياء لذكراهم وذلك عند سيطرة أو نفوذ للدويلات أو الدول الشيعية المذهب كالدولة الفاطمية، والدولة البويهية، والدولة الحمدانية، والعقيليين وأن حكام هذه الدول الذين كانوا على المذهب الشيعي في الأصل أولئك الذين اعتنقوا هذا المذهب لأغراض سياسية مصطبغة بصبغة مذهبية دينية كبدر الدين لؤلؤ مثلًا شجعوا هذه الظاهرة وتبنوها وقدموا لها بسخاء وحشروا لها أمهر البنائين والصناع لهذا كانت أبنيتهم آية في الروعة والمتانة وانتشرت في كل بقعة امتد سلطانهم إليها هذا وربما تكرر اسم المرقد أو المشهد في أكثر من مكان واحد) (8)

وذكر الأستاذ محمد الشماع مدير أوقاف الموصل سابقا:

 (حاكم الموصل بدر الدين لؤلؤ خان الموصل مرتين هو مملوك أرمني استخدمه حاكم الموصل نور الدين أرسلان بن عز الدين مسعود 589 - 607 هجري 1193- 1210م.

اتخذه أتابكيا (9) على أولاده ثم وصيًا بعد موته، لكنه خان الأمانة فأخذ يكيد لأولاد نور الدين فأبادهم واحدًا تلو الآخر، ثم استقل بملك الموصل سنة 631 هجرية.

ساعد هولاكو وذلك بفتح الجبهة الشمالية لغزو بغداد من محور الموصل بتمرير جيش هولاكو، وأرسل فرقة من الجيش بزعامة ابنه إسماعيل لمعاونة هولاكو، قام بهذه الخيانة وعمره ثمانون عامًا.

ذهب لمقابلة هولاكو بعد تدمير بغداد واحتلالها وقدم هدايا نفيسة لهولاكو منها جوهرة فريدة علقها بنفسه في أذن هولاكو.

تزوج ابنه إسماعيل من ابنة هولاكو كرد جميل من هولاكو لمساعدته.

حاول بكل جهده نشر التشيع في الموصل، وقام بعمل اللطميات والمواكب وبث مشاهد ومقامات موهومة على أصل مدارس سنية كانت تدرس علوم الشريعة لأهل السنة في الموصل.

برز له معارضًا الشيخ شمس الدين بن الشيخ عدي بن الشيخ صخر الأموي صاحب الطريقة العدوية، وكان هذا عالمًا داهية له أتباع كثير من الكُرد، ولاقت حركته أنصارًا من الجزيرة والشام.

خشي بدر الدين الذي كان يريد نشر التشيع من قوة الشيخ شمس الدين، فحاربه وقبض عليه وخنقه بوتر وقتل أتباعه وصلبهم، ثم أرسل حملة إلى جبل لالش فهدم قبر الشيخ عدي ونبش قبره وأخرج عظامه وأحرقها وشرد أتباعه.

ثم برز له معارضون ضد بطشه وظلمه، منهم الشيخ موفق الدين أبوالعباس أحمد بن يوسف الكواشي صاحب تفسير الكواشي، فأنكر على بدر الدين أفعاله وظلمه وقسوته.

حاول بدر الدين إغراء الناس بالمال والهدايا لشراء ذممهم حتى أطلقوا عليه الملك الرحيم، فانظر إلى تكرار المواقف من المتزلفين عبر الأزمان.

أقام مشاهد موهومة مزعومة لا أصل لقبر واحد فيها فوق مدارس سنية ومشاهد سنية فغير أسماءها لإعطاء المدينة طابعًا غير طابعها (وذكر أسماء عديدة سنذكرها في مكانها).

كل هذه ليس لها شاهد تاريخي واحد من قبر حقيقي، لكنها زرعت لغايات سياسية لاستعطاف الناس واستمالتهم باسم حب آل البيت، وهكذا تلعب السياسة في الدين إذا لم يكن للدين حاميًا يكشف التزوير وألاعيب الساسة.

بعد موت بدر الدين لؤلؤ لم يتحقق شيء مما أراده من تغيير ديمغرافي وفشل فشلًا ذريعًا.

هذه المشاهد التي انتزعها بدر الدين من أهلها وغير معالمها هي التي كانت بداية رجوع الفتنة حين أصدر مجلس النواب قرارًا بتمليكها للوقف الشيعي عام 2005 التي هي أصلًا تاريخيًا مسلوبة من أهل السنة في الموصل أيام بدر الدين لؤلؤ وكانت كما أشرت مدارس دينية لأهل السنة، وبسببها لايزال هناك من يورث نار الفتنة وشق الصفوف وتمزيق اللحمة الوطنية وتعزيز الشحمة الطائفية والله المستعان. (10)

مشهد النقطة

     ذكر الهروي في الإشارات: وكان فيها إلى القرن السابع للهجرة/الثالث عشر للميلاد مشهدٌ يُسمىّ "مشهد رأس الحسين". " كان [الرأس] به لمّا عبروا بالسّبي). (11)

     قال محمد جعفر الطبسي في كتابه مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة في ج5: (لم يُذكر في واحد من الكُتب التاريخية المعتبرة - على مستوى التحقيق - أنّ أهل البيت عليهم‌ السلام في الطريق من الكوفة إلى الشام قد مرّوا بمدينة الموصل، وقد تجنّب بعض المحققّين والمؤرّخين الخوض في صدد صحّة أو عدم صحّة هذا المدّعى، ومَن ذكرها منهم ذكرها على نحو النقل عمّن ذكرها)  فالمرحوم الشيخ عبّاس القمّي - مثلًا - يقول ما نصّه: (وأمّا مشهده بالموصل، فهو كما في روضة الشهداء ما ملخّصه: أنّ القوم لما أرادوا أن يدخلوا الموصل، أرسلوا إلى عامله أن يُهيِّئ لهم الزاد والعلوفة، وأن يُزيِّن لهم البلدة، فاتّفق أهل الموصل أن يُهيِّئوا لهم ما أرادوا، وأن يستدعوا منهم أن لا يدخلوا، بل ينزلون خارجها، ويسيرون من غير أن يدخلوا فيها..  فنزلوا ظاهر البلد على فرسخ منها، ووضعوا الرأس الشريف على صخرة، فقطرت عليها قطرة دم من الرأس المكرّم، فصارت تشعُّ ويغلي منها الدم كلّ سنة في يوم عاشوراء! وكان الناس يجتمعون عندها من الأطراف، ويُقيمون مراسم العزاء والمآتم في كلّ عاشوراء، وبقي هذا إلى أيّام عبد الملك بن مروان فأمر بنقل الحجَر، فلم يُرَ بعد ذلك منه أثر، ولكن بنوا على ذلك المقام قبّة سمّوها مشهد النقط). (12)

     فها هو جعفر الطبسي يؤكد أنه لا توجد رواية واحدة صحيحة تثبت مرور قافلة أهل البيت في طريق الموصل وحتى من ذكرها ذكرها على نحو النقل ليتخلص من تبعاتها كما فعل القمي.

     مما يبين بطلان كل هذه المقامات المزعومة على الطريق في الموصل وما بعد الموصل.

     وذكره الهروي في الإشارات: (وبالموصل مشهد رأس الحسين رضى الله عنه كان به لما عبروا بالسبي، ومشهد الطرح (13)، وبها كف علي بن أبي طالب رضي الله عنه.)(14)، يقول جعفر المهاجر: (وما ندري ما مصير هذا المشهد، وهل هو باقٍ أم إندرس). (15)

     هكذا رأينا النفي الصريح لوجود هذا المقام بتأكيد عدم صحة مرور الركب الحسيني من الموصل كما قال الطبسي كذلك لم يثبت مرور علي رضي الله عنه في الموصل فمن أين جاءوا بكف علي هناك، وكذلك ذكر هذا الطرح الموهوم الذي سيتكرر ذكر مقامه في أكثر من مكان رغم أنه شخصية موهومة من الأصل.

     ونقل هكذا روايات من قبل الهروي بدون تمحيص تبين يقينًا أنه ليس أهلًا ليكون مصدرًا للتوثيق إن لم يكن تعمد هذا التزوير لميوله الشيعية كما ذكر المهاجر في كتابه موكب الأحزان.

مشهد عبد الرحمن بن علي بن الحسين:

     ذكره موقع العتبة الحسينية على الإنترنت خلال كلامها على ما تسميه بطريق السبايا فقالت: إضافة إلى توثيق مرقد السيد عبد الرحمن بن علي بن الحسين (عليهم السلام) في الموصل). (16)

وعند البحث عن عبد الرحمن هذا وجدت بعض المصادر الشيعية تذكره من ضمن أولاد علي بن الحسين (ذكره المفيد في الإرشاد وابن شهر آشوب في المناقب وذكره صاحب الدر وذكره المجلسي في البحار. لكنني لم أجد له أية ترجمة في كتب الشيعة فلًا يوجد شيء عن ولادته وأحواله وتاريخ ومكان وفاته.  فكيف توثق لدى العتبة الحسينية قبره في الموصل كما تدعي؟

وفوق ذلك قد أثبتنا عدم صحة مرور الركب الحسيني من الموصل بل من الطريق كله كما سنرى. والحقيقة فإن أصل هذا المرقد المزعوم كان مدرسة سنية تحت اسم المدرسة العزية التي كانت تدرس فيها علوم الشرع لأهل السنة في الموصل حولها بدر الدين لؤلؤ الى مشهد لعبد الرحمن.

مشهد عمر بن الحسين رضي الله عنهم في بلط الموصل:

     منطقة تقع بين مدينة تلعفر وجبل سنجار، وتسمى أسكي موصل وهي بلدة عراقية تقع 50 كم شمال غرب مدينة الموصل في محافظة نينوى، تقع فيها أطلال موقع بلد الذي يعود للعصر العباسي. تقع أسكي موصل قرب «سد أسكي موصل» والذي يسمى اليوم سد الموصل. اسمها بالتركية (أسكي موصل) يعني الموصل القديمة.

     ذكر الهروي في الإشارات: (وبها مقام عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهم) وقال (وقرأت على الحجر الذي ظهر في هذا الموضع ما هذه صورته: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا مقام عمر بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم، وهو أسير في سنة إحدى وستين، تطوع بعمارته إبراهيم بن القاسم المدائنى في صفر سنة ثلاث ومائة وحبس عليه خان القطن من السوق العتيق ببلط). (17)

وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان: وبها مشهد عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (18)

     إن وجود حجر في المكان مكتوب فيه أن هذا مقام لعمر بن الحسين لا يصلح أن يكون دليلًا بدون توثيق حالته التاريخية ووجوده الفعلي. وقد بينا عدم مرور الركب من طريق الموصل أصلًا.

     ثم يذكر الهروي قصة خرافية عجيبة فيقول: ورأيت لهذا الموضع آية عظيمة وذلك أنه كان بالموصل رجل فقّاعى زمن (أي أرجله فيها فقاعات مملوءة بالماء. وزمن: أي طويل المرض) يمشى على أعلاق من الخشب ويجر رجليه خلفه كأنهما خرق، وبقي كذلك سنين عدة وزمانًا طويلًا يشاهده الناس، وهو معروف بالموصل، فرأى علي بن أبي طالب رضى الله عنه في منامه وذكر أنه قال له: «امض إلى مشهد ولدي عمر بن الحسين لأظهر فيك آية» فحملوه إلى هذا الموضع فاغتسل من الماء الذي به وزاره وعاد إلى الموصل ماشيًا على قدميه، وسموه (عبد علي)، ولعله في الحياة، والله أعلم، ورأيت لهذا الموضع من الآيات غير هذا بل اختصرت على ذكر هذه الفضيلة.)(19)

     قصة خرافية تسقط الدليل وليست تقويته كما يعتقد هؤلاء. وهي رواية تقدح في الهروي نفسه وتسقط موثوقيته، وهذه القصة تشجع على الشرك بالله تعالى بتسمية هذا الرجل المزعوم بـ"عبد علي".

وقد التبس على الخوئي المرجع الشيعي الأعلى السابق للشيعة في معجم رجاله وهو يتحدث عن عمر بن علي بن الحسين الملقب بالأشرف وإذا به ينقل كلام المفيد في الإرشاد لكنه يقول ما نصه (قال الشيخ المفيد: "وكان عمر بن الحسين عليهما السلام، فاضلًا، جليلًا، ولي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله، وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ورعًا سخيًا". الإرشاد: باب ذكر إخوته الباقر عليه السلام وطرف من أخبارهم). (20)

وبالرجوع إلى كتاب الإرشاد للمفيد نجده يذكر هذا الكلام لعمر بن علي بن الحسين وليس عمر بن الحسين. فقال في ص151 (حدثنا الحسين بن زيد عن عمه عمر بن علي عن أبيه الحسين عليهما السلام أنه كان يقول.....) وفي ص170 ما نصه (وكان عمر بن علي بن الحسين فاضلًا جليلًا وولي صدقات النبي صلى الله عليه وآله وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام وكان ورعًا سخيًا) وفي نفس الصفحة (عن الحسين بن زيد قال: رأيت عمي عمر بن علي بن الحسين يشرط على من ابتاع صدقات....) وقال في ص171 (عن عبيد الله بن جرير القطان قال: سمعت عمر بن علي بن الحسين يقول......) ولم يذكر الخوئي في معجمه أي شيء عن شخص اسمه عمر بن الحسين إلا ما ذكره خطأً عندما تكلم عن عمر بن علي بن الحسين وذكر سهوًا عمر بن الحسين. ثم يرجع بعدها ويقول: قال السيد المهنا: عمر الأشرف وهو أخو زيد الشهيد لأمه وأسن منه...) ثم يستمر بالكلام عن عمر الأشرف بن علي بن الحسين.

     وهنا التفاتة مهمة: ها هم آل بيت النبوة يسمون أولادهم بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة كما ذكرت الكتب الشيعية بالتفصيل. فهل يوجد عاقل يسمي أولاده وأحفاده بأسماء من يكرههم ويبغضهم ويتزوج منهم ويزوج بناته لهم!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

  1. الهروي/الإشارات ص64
  2. مُنتخب الطريحي: ص481، وانظر: ناسخ التواريخ: ج3 ص103
  3. القندوزي. ينابيع المودّة: ص351
  4. بحار الأنوار - المجلسي - ج 99 – ص47
  5. المعمم صلاح الطفيلي يحرض على أهل تكريت https://www.youtube.com/watch?v=EDd2bTHNcsE
  6. سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢٣ - الصفحة 356-357
  7. قصة التتار من البداية الى عين جالوت ص132
  8. سنجار من الفتح الإسلامي الى الفتح العثماني) ص332-333
  9. الأتابكة جمع أتابك، وهي كلمة مركبة من لفظين تركيين أتا أي الأب أو المربي، وبِك أي الأمير، فيكون معنى الكلمة مربي الأمير، ثم صارت مع الأيام تستعمل لدلالات أخرى بينها الملك والوزير الكبير والأمراء البارزون الذين يمتون بصلة القرابة إلى السلاجقة والأمراء الأقوياء.

كذلك أطلقت في عهد المماليك على من تُعهد إليه إمارة العسكر، ومنه شاع لقب أتابِك العسكر.

  1. مقال محمد الشماع / مدير أوقاف الموصل السابق https://www.facebook.com/ALSHAMMAA59/posts/2424498191207998
  2. الإشارات إلى معرفة الزيارات / 70.
  3. الطبسي. مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة ج5 ص199-200
  4. قلت: وهذا دليل آخر على بطلان هذه المقامات وأن الركب لم يمر في هذا الطريق حيث سنرى أن موضع الطرح / السِقط سيتكرر في أكثر من مكان لنفس الطرح، بل سيتبين لنا لاحقاً أنه لا وجود لهكذا سِقط في كتب الشيعة أساسا.
  5. الهروي/ الإشارات ص63
  6. جعفر المهاجر. موكب الاحزان ص21
  7. موقع العتبة الحسينية https://imamhussain.org/news/31581
  8. الهروي/ الإشارات ص62.
  9.  ياقوت/ معجم البلدان ج2 ص265
  10. الهروي/ الإشارات ص62.
  11. معجم رجال الحديث / الخوئي طبعة قم ج13 ص47.

 

 

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.