أكد الأكاديمي العراقي البارز، الأستاذ الدكتور عبد السلام سبع الطائي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بغداد وجامعة كوبنهاجن الحكومي، أن شعار إيران الحقيقي هو "الفُرس قبل القدس"، وأن المشروع الإيراني المعروف بـ "الهلال الشيعي" تحوّل اليوم إلى "طوق سني" يلتف حول أعناق الملالي، مشيرًا إلى أن ظهور هذا "الطوق السني"، السعودي والأفغاني، يمثل ضربة كبيرة للاستراتيجية الإيرانية.
وأضاف الطائي، في حوار لـ "شؤون إيرانية"، أن هناك مخططًا لتقسيم سوريا بين "دولة مفيدة" وأخرى زائدة عن الحاجة، وأن رئيس الملف السوري في الأمم المتحدة، وهو أكاديمي سويدي، حدّثه قبل أكثر من عقد من الزمن عن مخطط لتقسيم سوريا، لأن الصراع في هذا البلد العربي لم يكن مجرد حرب داخلية، بل تعدى ذلك ليصبح ساحة للتنافس بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تجد بعض المشاريع (الإقليمية) مصالحها في الهيمنة على المشهد السوري بما يخدم أهدافها الاستراتيجية.
وشدد الأكاديمي العراقي، على أن "العدوان الثلاثي" الإسرائيلي- الأمريكي- الإيراني، من أبرز التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي في الوقت الراهن، محذرًا - في الوقت ذاته- من أن المخططات الهادفة لتفتيت دولنا إلى كيانات صغيرة على أسس عرقية وطائفية، هي "مسمار" في نعش الأمن القومي العربي... وإلى نص الحوار:
- تعرضت طليعة أمتنا، مصر العربية، لعدوان عسكري ثلاثي عام 1956. وتلا ذلك، عدوان على العراق، ثم العدوان على ليبيا، وانتهى الأمر بهيمنة إيران على سوريا ولبنان وتقسيم السودان. إن العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الأمريكي- الإيراني يُعد من أبرز التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي، حيث تتداخل مصالح هذه القوى الثلاث في المنطقة بطرق تُلحق أضرارًا بالغة على المستويات السياسية، الاقتصادية، والعسكرية.
ويمكن بيان معطيات ذلك العدوان، كالتالي:
وهنا، تجدر الإشارة إلى تلاقح المشروع الصهيوني مع الإيراني الصفوي، الساعيان لتقسيم جزيرة العرب الكبرى إلى جزر صغرى. وهذه الجزر الصغرى تصب في نهاية المطاف بجزيرتي فارس و(إسرائيل) الكبرى! وهكذا تتجلى جميع هذه الأضرار في تفتيت الوحدة العربية، واستنزاف الموارد الاقتصادية، وتعزيز الانقسامات الطائفية لزعزعة الأمن القومي العربي وإيقاف عجلة التقدم والتنمية العربية الإسلامية.
شعور بـ "النقص الديموغرافي"
- تواجه العديد من الدول العربية تحديات كبيرة تتعلق بالسيطرة على مقدراتها وثرواتها، نتيجة للصراعات الداخلية والخارجية. من أبرز هذه الدول:
اليمن: يعاني من حرب أهلية مستمرة، حيث تتداخل الأطراف الإقليمية والدولية في النزاع، مما يؤثر على استقرار البلاد وثرواتها.
ليبيا: تشهد صراعات مسلحة بين الفصائل المختلفة، مما يجعلها عرضة للتدخلات الخارجية التي تستهدف السيطرة على مواردها النفطية.
العراق: يواجه تحديات جراء التدخلات الإقليمية والدولية والتي تؤثر على استقراره واستغلال ثرواته البشرية والطبيعية المسلوبة والمنهوبة بواسطة الربط البري والكهربائي مع إيران.
تونس: رغم أنها تُعتبر من الدول الأكثر استقرارًا نسبيًا، إلا أنها تواجه أزمات سياسية واقتصادية قد تجعلها عرضة لمخاطر داخلية وخارجية.
السودان: وما يتعرض له من تقسيم ونهب لثرواته وتهجير لشعبه!
هذه الدول وغيرها تعاني من صراعات حول السلطة والثروة، مما يجعلها عرضة للتدخلات الخارجية التي تستهدف استغلال مواردها.
- الحديث عن النموذج الإسرائيلي الذي صنعته بريطانيا، وعززت وجوده أمريكا والأمم المتحدة بقرار تسيّد الأقليات، وعلى الأخص اليهود والفرس لكونهما يعانيان عقدة الشعور بالنقص الديموغرافي !
والانتقادات الواسعة التي تواجهها (إسرائيل) حاليًا بعد عدوانها على غزة، هي دراما أممية وظاهرة صوتية واختلاف بالصوت على الفضائيات فقط! وهنا يكمن سر تجاهل (إسرائيل) المتكرر للقانون الدولي، خاصة في سياق النزاعات مع الفلسطينيين. المجتمع الدولي، رغم محاولات البعض منه، يواجه تحديات كبيرة في محاسبة (إسرائيل). على سبيل المثال، تجاهل (إسرائيل) قرارات محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن، منظمات حقوق الإنسان وبعض الدول لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، مثل فرض عقوبات أو حتى طرد (إسرائيل) من الأمم المتحدة، لضمان احترام القانون الدولي لكن هذا الكيان المصطنع أمميًا، (إسرائيل)، استمر في سياساته دون عواقب ملموسة.
ورغم صعوبة الطريق لوضع حد لاستهتار هذا الكيان، فإن التاريخ مليء بأمثلة عن تغييرات جذرية كانت تبدو مستحيلة في البداية. هناك أمثلة تاريخية تُظهر كيف يمكن أن تؤدي الجهود الدولية أو الشعبية إلى تغييرات جذرية في النزاعات السياسية، من أهمها:
الفُرس قبل القدس
- "الفرس قبل القدس"، قلناها مرارًا وتكرارًا، هذا هو شعار إيران الحقيقي، غير أن قواعد اللعبة قد انتهت، وملامح خارطة 2025 قد أتت. وإيران جزءًا لا يتجزأ من تلك القواعد. وهذا ما أشرنا إليه على قناة "الشرقية" قبل أكثر من أربع سنوات. عندما نكرر الحديث عما يجري بالمنطقة، فنحن لسنا أمام تخمينات وتوقعات، بل أمام وقائع وواقع ميداني لمخططات على الأرض في غزة وغيرها، وما سيليها من تداعيات على الأردن وسوريا ولبنان والعراق وليبيا، وسواها من الدول العربية المستهدفة.
ولكن المشروع الإيراني المعروف بـ "الهلال الشيعي" تحوّل اليوم إلى "طوق سني" يلتف حول أعناق الملالي من قبل دول الطوق، أفغانستان، السعودية من البحر الأحمر ومضيق هرمز واليمن على قارعة الطريق، علاوة على سوريا من البحر الأبيض. وبات نظام الملالي يواجه تحديات كبيرة بعد الضربات التي تلقاها حلفاؤه الإقليميون مثل "حزب الله" و"الحوثيين"، و"الحشد الشعبي" في العراق على الطريق، بالإضافة إلى صعود نظام "طالبان" وهروب الرئيس أشرف غني من أفغانستان، تلاه إنهيار نظام الأسد وهروبه من سوريا. ووفقًا لبعض التحليلات، فإن ظهور الطوق والصداع السني الأفغاني والسوري يُعتبر اليوم ضربة استراتيجية لإيران، حيث كانت سوريا تمثل محورًا حيويًا لربط طهران بحزب الله في لبنان وتسهيل الإمدادات العسكرية.
- رغم أن إيران اليوم بين مطرقة وسندان سوريا وأفغانستان ولبنان، فإنها قد لا تتخلى عن مشروعها بسهولة. وهناك مؤشرات على أنها قد تعيد ترتيب أولوياتها الإقليمية، مثل تعزيز نفوذها في العراق ولبنان، أو استخدام أدوات أخرى مثل القوة الناعمة والتحالفات الدولية مع قوى مثل الصين وروسيا. كما أن اليمن قد يظل ساحة ضغط تستخدمها إيران لتحقيق مكاسب إقليمية.
لكن استمرار هذا المشروع يعتمد على قدرة إيران على التكيف مع التغيرات الجيوسياسية والضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة. فإن تغيرت التحالفات الدولية، مثل تعزيز العلاقات بين الدول العربية وقوى عالمية منافسة لإيران، فقد تجد إيران نفسها معزولة أكثر.
مخططات تقسيم سوريا
- يمكن النظر إلى مخططات تقسيم سوريا، المحاذية لـ (إسرائيل) التي تحتل أراضيها، واحتلال تركيا لـ"الإسكندرون"، كجزء من الصراع بين المشاريع الإقليمية والدولية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها في المنطقة. الصراع في سوريا لم يكن مجرد حرب داخلية، بل تعدى ذلك ليصبح ساحة للتنافس بين القوى الإقليمية والدولية.
وتجد بعض المشاريع الإقليمية، كالمشروع الإيراني أو التركي، مصالحها في الهيمنة أو التأثير على المشهد السوري بما يخدم أهدافها الاستراتيجية. وفي الجانب الدولي، هناك تنافس بين القوى الكبرى كروسيا والولايات المتحدة، حيث يسعى كل منهما لتحقيق نفوذ جغرافي وسياسي في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط ومع ذلك، فإن أخطر ما يدور الآن من مشاريع استعمارية هو مخطط تقسيم سوريا: العلوية المفيدة والسنية الفائضة!
وأخطر ما سيواجه الثورة السورية هو محاولة إحياء مشروع سوريا المفيدة وسوريا السنية الزائدة عن الحاجة، إنه مخطط فرنسي اختفي، ثم عاد للتداول منذ هيمنة إيران على سوريا.
- نعم، أذكر هنا أن رئيس الملف السوري بالأمم المتحدة، حدثني قبل أكثر من عقد من الزمن عن مخطط لتقسيم سوريا. وقد التقينا مرارًا بجامعة ستوكهولم، حيث كان يحضر اجتماعات المعارضة السورية في جنيف، بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة.
حدثني هذا الأكاديمي السويدي مستفسرًا عن ردود فعل الشعب السوري والعراقي واللبناني تجاه مشروع تقسيم سوريا إلى، المفيدة والفائضة! ولابد من الإشارة بأن هذا المخطط المستحدث، مُزج فيه الجانب الأيديولوجي بالاستراتيجي الجيوسياسي.
وقد ألمح السويدي، حينها، إلى محاولة إيران إعادة هندسة سوريا بأحجار مذهبية تجيدها أكثر من واشنطن وموسكو. ومخطط سوريا يهدف إلى السيطرة على المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والجغرافية في البلاد، والتي تضم جبال القلمون والعلويين والسواحل والحدود الجنوبية المحايدة إلى لبنان وتركيا، كما تدخل في خارطته دمشق ببعدها الرمزي والديني، وحلب نظرًا لكونها بوابة سوريا إلى قلب أوروبا.
أما سورية الفائضة عن الحاجة، استراتيجيًا وأيديولوجيًا، في الأغلب ستكون حدودها من البادية السورية التي يُخطط لأن يكون مركزها الرقة ودير الزور، بغرض عزلها عن تركيا بجدار يستولي على معظم أرياف هاتين المنطقتين، من أجل السيطرة على الثروات النفطية والغازية فيها، ليكون بوابة لنهب خيرات العراق عبر معبر "البوكمال" ومنفذ القائم والتنف الحدوديتان والتي ربما كانت سببًا في مقتل قاسم سليماني، وزير المستعمرات الإيرانية!
- لعل تعميق اختراقات القوى الإقليمية للمحيط العربي نتج عن عوامل عديدة، تداخلت مع التحولات السياسية والاجتماعية في العالم العربي. من أبرز تلك العوامل:
ضعف الدولة المركزية: في العديد من الدول العربية، تراجعت سلطة الدولة المركزية نتيجة الأزمات الاقتصادية والسياسية، مما فتح المجال أمام قوى إقليمية لملء الفراغ.
الطموحات الجيوسياسية:
- القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا و(إسرائيل)، وجدت في الأزمات العربية فرصًا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية وتوسيع نفوذها على حساب استقرار المنطقة.
- استخدام "وكلاء" أو دعم فصائل محددة داخل الدول العربية كان من أبرز أدوات التأثير.
غياب التضامن والتوافق العربي: الانقسام بين الدول العربية وصراعاتها الداخلية والخارجية أعاق القدرة على صد التدخلات الإقليمية. لذلك لعب "الربيع العربي" دورًا رئيسيًا في إتاحة الفرصة للقوى الإقليمية للتدخل.
كما أن انهيار أنظمة مثل تونس وليبيا واليمن وسوريا، فتح مساحات وفراغات استخدمتها القوى الخارجية لتعزيز مصالحها. وفي المجمل، يمكن القول إن "الربيع العربي" كان عاملًا مسرّعًا، لكنه لم يكن السبب الوحيد. التدخلات الإقليمية استغلت التصدعات الداخلية والقضايا العالقة في الدول العربية لتحقيق مكاسبها.
تدشين "مشروع عربي"
- تحقيق مشروع عربي لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية يستلزم جهودًا متعددة الأبعاد وشراكة جادة بين الدول العربية. يمكن اتخاذ خطوات عملية لتحقيق هذا المشروع:
- اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة الهادف لتعزيز استقرار الشرق الأوسط، يعكس رؤية أممية تسعى إلى معالجة التوترات الإقليمية من خلال التعاون المتعدد الأطراف. وهذا النهج يختلف عن سياسات إدارة ترامب التي ركزت من قبل على اتفاقيات تطبيع فردية بين دول عربية و(إسرائيل)، مثل "اتفاقيات أبراهام"، والتي كانت تهدف إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بشكل أحادي.
غوتيريش، في تصريحاته، شدد على أهمية التعددية والتعاون الدولي كوسيلة لتحقيق السلام والتنمية المستدامة، وهو ما يمكن اعتباره استجابة أممية شاملة للتحديات التي تواجه المنطقة. بينما ركزت سياسات القطب الأوحد للرئيس ترامب على تعزيز النفوذ الأمريكي وإعادة ترتيب الأولويات الإقليمية بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية بشكل أساسي.
- أعتقد أن قبول هذا الاقتراح الأممي في المنطقة يعتمد على عدة عوامل معقدة ومتداخلة:
لكن التحديات السياسية الحالية قد تكون عقبة كبيرة أمام تحقيق هذا المشروع، خاصة مع استمرار النزاعات الإقليمية والتوترات بين القوى الكبرى. ومع ذلك، هناك فرص للتعاون إذا تم التركيز على المصالح المشتركة مثل الأمن والاستقرار الاقتصادي.
- عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في أكتوبر/تشرين الأول 2023. لم تكن مجرد حدث عسكري، بل كانت نصرًا عسكريًا فريدًا في الحرب النفسية أيضًا، زعزع هوية الانتماء والولاء للمستوطنين اليهود بدوام (دولة) إسرائيل، وهو جرح بعيد المدى لأنه نصر تمكن لا بل فاق في مدياته تدمير نظرية القبة الحديدية لـ (إسرائيل).
وسيؤثر "طوفان الأقصى" بشكل كبير على المشهد الجيوسياسي في المنطقة. على المدى الطويل، يمكن أن تسهم هذه العملية في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية، إن استمرت المقاومة تحقيق مكاسب استراتيجية. ومع ذلك، فإن تأثيرها يعتمد على كيفية استجابة الأطراف المختلفة لهذه التغيرات.
مكان بين الكبار
- لتحقيق دور إقليمي فاعل للدول العربية والارتقاء بها إلى مكانة دولية مؤثرة، يمكن للدول العربية التركيز على عدة محاور استراتيجية، منها:
صحيح أن الاتحاد الأوروبي قدّم نموذجًا ناجحًا للتعاون الإقليمي، لكن التحديات في المنطقة العربية تختلف، مما يتطلب حلولًا مصممة خصيصًا للسياق العربي. والخطوة الأكثر أهمية التي يجب على الدول العربية التركيز عليها، هي التعاون الناجح بينها، القائم على الأركان السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومنها:
وهذه السياسات الاستراتيجية، إن جرى العمل عليها وتنفيذها، ستمكن الدول العربية من لعب إقليمي فاعل ترتقي به إلى مستوى حجز مكان بين الكبار على مستوى العالم.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية