• إيران عملت على تفعيل دور «الجماعات المتأسلمة» في الشرق الأوسط وتقديم أوجه الدعم اللازم لها
• بلورة البعد الثوري للجماعات الدينية بوصفه بعدًا جديدًا لصحوة إسلامية تستلهم «النموذج الإيراني»
• البريق الأيديولوجي للثورة لقي قبولًا واسعًا لدى «الإخوان» والجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر وحركة النهضة التونسية
• التنظيم الدولي للإخوان وصف زعيم الثورة موسوي الخميني بـ«إمام مسلم وفخر للإسلام والمسلمين»
• طهران زعمت أن «مصير الأمة الإسلامية» رهن بمدى قدرة إيران على تحويل نفسها إلى قوة عالمية!
• شيعة «الفعل السياسي» هم الذين يُسهموا في أي في حراك سياسي يتوافق مع الأهداف السياسية الإيرانية
• إيران تعمل على بناء نفوذ «جيوشيعي» في القارة الإقريقية من خلال شبكة المراكز الثقافية المنتشرة في 12 دولة
• «المجلس الأعلى لرعاية آل البيت» يمارس نشاطه التبشيري في مصر تحت غطاء توفير الخدمات الاجتماعية
تبنى نظام الملالي عدة آليات لبناء النفوذ «الجيوشيعي» في المنطقة والعالم. وإذا افترضنا أن إيران، يقطن بها حوالي 40% من شيعة العالم، فعلينا أن ندرك أيضًا أن عملية التمدد «الجيوشيعي» جعلتها محورًا لثلاث دوائر اهتمام، تضم كل دائرة منها ثلاث مناطق استراتيجية، لكل دائرة من هذه الدوائر آلية خاصة بها لبناء نفوذها.
دوائر الاهتمام
دائرة شيعة المحيط الجغرافي، والتي تتوزع على ثلاث مناطق استراتيجية:
1- المنطقة المحيطة بحدود إيران الغربية، وتمتد من أقصى شمال غرب هذه الحدود، نزولًا باتجاه حدودها الجنوبية الموازية لمياه الخليج العربي، وتضم كل من: تركيا والعراق والكويت والبحرين وقطر والسعودية وعمان والإمارات وعمان.
2- المنطقة المحيطة بحدودها الشمالية، وتضم: أرمينيا وأذربيجان وتركمانستان.
3- المنطقة المحيطة بحدودها الشرقية وتضم كل من أفغانستان وباكستان.
دائرة شيعة الجوار الجغرافي، وتتوزع أيضًا على ثلاث مناطق استراتيجية:
1- المنطقة الواقعة شرق البحر المتوسط، وتضم: سوريا لبنان والأردن وفلسطين.
2- منطقة آسيا الوسطى وروسيا والهند، وتضم طاجيكستان وأوزبكستان وروسيا في الشمال، والهند وبنجلاديش
3- المنطقة المطلة على مياه المحيط الهندي وبحر العرب، وتضم كل من اليمن، وإريتريا، والصومال وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، فضلا عن أثيوبيا والسودان وجزر القمر.
دائرة البؤر الشيعية حديثة النشأة، التي لا تزال في طور النشأة والتكوين المستمر؛ توطئة لقيام الحكومة العالمية الشيعية. وتتضمن هذه الدائرة أربع مناطق:
1- منطقة شمال أفريقيا، وتضم دول: مصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
2- منطقة غرب ووسط وجنوب أفريقيا، وتضم تحديدًا: نيجيريا، وغانا، والسنغال، وسيراليون، وزيمبابوي وجنوب أفريقيا.
3- منطقة جنوب شرق آسيا وتضم: إندونيسيا وماليزيا والمالديف، إلى جانب الصين وتايلاند، وسيرلانكا، والفلبين وبورما.
4- تشمل دولًا أوربية، مثل: ألبانيا وإسبانيا واليونان، وإيطاليا، وبلغاريا، وبريطانيا، وفرنسا، وبعض دول أمريكا الجنوبية.
الفئات المستهدفة
استهدفت عملية التمدد «الجيوشيعي» أربع فئات من الشيعة، وحددت لكل فئة منها آلية عمل مناسبة لها، هي:
أ- شيعة فعل سياسي، وهم الذين يمكنهم أن يُسهموا تلقائيًا في أي حراك سياسي يتوافق مع الأهداف السياسية الإيرانية بصورة مباشرة، مثل: حزب الله اللبناني والمجلس الإسلامي الأعلى في العراق، وجماعة أنصار الله في اليمن.
ب- شيعة تمويل، وهم الذين يتكفلون بدعم الفعاليات والأنشطة الدعوية في الدول الأخرى، سواء بالهبات والتبرعات، أو بدفع أنصبة الخُمس، مثل: شيعة الكويت والإمارات وكندا وبريطانيا وألمانيا.
ج- شيعة مُعبأة طائفيًا، وهم الذين يمكنهم أن يُصبحوا وقودًا لصالح المواقف الإيرانية في حال وقوع نزاع معها، مثل: شيعة باكستان وأفغانستان والبحرين والمملكة العربية السعودية.
د- شيعية مهجر، وهم أبناء الجاليات الإيرانية أو الجاليات الشيعية الأخرى، الذين يعيشون بأمريكا وكندا ودول الاتحاد الأوربي.
هـ- شيعة مستبصره، وهم الذين نجحت الجهود الإيرانية في تحويلهم حديثًا إلى المذهب الشيعي، وتمتلك في أوساطهم نفوذًا معنويًا كبيرًا، يمكن تفعيله في مرحلة مستقبلية. ومن أمثلتهم: الجماعات الشيعية التي تكونت ببعض دول شمال وغرب ووسط أفريقيا والقرن الأفريقي ودول آسيا ودول آسيا الوسطى والصغرى والقوقاز.
الآليات التمدد
وتتمحور استراتيجية التمدد «الجيوشعي» في الآليات التالية:
1- تنشيط ودعم الجماعات الأصولية:
كانت تمثل إحدى أولويات طهران، منذ قيام الثورة «الإسلامية»، نظرًا لإيمان نظامها أنه هو الحامل القياسي للإسلام الثوري المناصر للمستضعفين، مسلمين كانوا أو غير مسلمين؛ وهو الأمر الذي كان يدعوها لأن تلعب دورًا رئيسًا في شؤونهم. فضلًا عن زعمها أن مصير الأمة الإسلامية رهن بمدى قدرة الجمهورية «الإسلامية» على تحويل نفسها إلى قوة عالمية يمكنها الدفاع عن مصالح الأمة ودفعها للأمام.
ومن هذا المنطلق، عملت إيران على تفعيل دور الجماعات السياسية المتأسلمة بمنطقة الشرق الأوسط، وتقديم أوجه الدعم اللازم لها؛ بغرض إعادة صياغة البيئة الإقليمية بطريقة تتجانس مع تصوراتها الاستراتيجية ومصالحها في المنطقة.
ومن ثم، دأبت إيران على بلورة البعد الثوري لهذه الجماعات، بوصفه بُعدًا جديدًا للصحوة الإسلامية، التي يمكنها أن تستلهم النموذج الثوري الإيراني، وتصوغ منه أهدافا متجانسة أو مشتركة بينها وبين هذه الثورة. ولعل تجانس الأهداف هو الذي عمق شعور إيران بتأثيرها المطلق على هذه الجماعات، خاصة أن شعورها هذا قد اقترن بشعور متبادل من هذه الجماعات تلخص في احتياجها للمساعدة على زيادة قدرتها على العمل. وهو الأمر الذي شجع الأجهزة والمؤسسات الإيرانية على توظيف دور هذه الجماعات في مواجهة الأنظمة والحكومات التي لا تقبل مواقفها السياسية.
البريق الأيديولوجي
وفي هذا السياق، بدأت إيران أولى خطواتها برسم صورة أيديولوجية برّاقة لثورتها، عبر خطاب حماسي يداعب مشاعر العامة من المسلمين، مفاده:
- أن جذور الثورة «الإسلامية» ممتدة إلى العهد النبوي الأول الذي لا تحدُّه حدود أو تكبله قيود نحو الانطلاق للعالمية.
- أن الثورة «الإسلامية" هي «استمرار لنهضة الأنبياء» التي لم تقتصر على حيز جغرافي دون آخر؛ فالرسول مثلًا كان من أبناء الحجاز، ولكن دعوته لم تقتصر على الجزيرة العربية وحدها بل تعدتها إلى العالم أجمع.
- أن الثورة «الإسلامية» هي الومضة الإلهية التي أحدثت انفجارًا عظيمًا في أوساط الشعوب الواقعة تحت نير الظلم والاستبداد، وتبشر ببزوغ فجر ثورة حضرة بقية الله الأعظم، المهدي المنظر.
أ- موقف تنظيم الإخوان
لقي البريق الأيديولوجي للثورة الإيرانية قبولًا واسعًا لدى الإخوان المسلمين، والجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر، وحركة النهضة التونسية؛ ولما لا والخطاب الإيراني كان يركز على أن الإسلام هو الوحيد القادر على حل مشكلات الأمة. إذ عبرت مجلة الدعوة الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين عن موقف التنظيم الدولي للجماعة من الثورة، عبر حوار أجرته مع أبي الأعلى المودودي، الذي قال فيه إن: ثورة الخميني ثورة إسلامية والقائمون عليها هم جماعة إسلامية. وعلى جميع المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن تؤيدها كل التأييد وتتعاون معها في كل المجالات.
كما وصف التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الخميني بـ«إمام مسلم وفخر للإسلام والمسلمين». كما رأى أن الثورة الإيرانية ثورة أبهرت العالم وزلزلت أعداء الإسلام في الشرق والغرب وفرِحَت لها قلوب المؤمنين، وأنها فرع من الحركة الإسلامية العالمية، وأنها ثورة لا تفرق بين مسلم سني وآخر شيعي، وأن الخلافات القائمة بين السنة والشيعة، هي خلافات موجودة أيضًا بين أهل السنة أنفسهم، وهو الأمر الذي يجب ألا تكون منطلقا لتفريق الأمة.
ب- موقف جماعات الجهاد
انطلى بريق الثورة الإيرانية على جماعات الجهاد الإسلامي المتطرفة، التي كانت تنتهج العنف والإرهاب، فكثفت تحركاتها، ومن ثم قام بعض عناصر باغتيال الرئيس السادات في أكتوبر/تشرين الأول عام 1981م، في إطار محاولة قيامها بثورة على غرار الثورة الإيرانية. وقد أدى ذلك بطبيعة الحال إلى أن تقوم السلطات المصرية بدحر هذه الجماعة، وتوجيه اتهامات رسمية متتابعة لإيران بالانخراط في مساندة أعمال العنف والإرهاب التي تقوم بها الجماعات الأصولية المتطرفة في مصر، كما قامت بطرد القائم بالأعمال الإيراني من القاهرة وسحب نظيره المصري من طهران خاصة عقب اتهام وزير الداخلية لإيران بتمويل وتدريب عناصر أصولية متطرفة.
ومن ثم، أخذت تكشف تباعًا عن ضبط تنظيمات سرية على اتصال تنظيمي بإيران، منها: تنظيم حزب الله بمحافظة الإسكندرية، وتنظيم طلائع الفتح بمحافظة الشرقية بزعامة فتحي الشقاقي الذي بلغ تأثره بالثورة الإيرانية أن أصدر كتابا بعنوان «الخميني الحل البديل» وكان هذا التنظيم مُكلفًا بإعادة إحياء تنظيم الجهاد (رقم401/87 أمن دولة عليا).
ج- موقف جبهة الإنقاذ الجزائرية
ولم يختلف الأمر كثيرًا بالجزائر عن مصر، إذ حظي زعيم جبهة الإنقاذ الإسلامية عباسي مدني بدعم إيراني غير محدود، وخصصّته طهران باستقبال رسمي حار من رئيسها حينئذ علي خامنئي عام 1989م، وشجعته طهران على تكرار سيناريو الثورة الإيرانية بالجزائر، إذ وعدته، بحسب تقرير لصحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية، بمنح جبهة الإنقاذ خمسة ملايين دولار إذا تمكنت من الوصول إلى السلطة، خاصة بعد أن حققت فوزًا في الانتخابات البلدية.
وقد قابلت السلطات الجزائرية هذا الأمر باعتقال مدني عام 1991م، واستدعاء سفيرها لدى طهران؛ احتجاجًا على التدخّل الإيراني في شئونها الداخلية، كما أطاح انقلاب عسكري في يناير/كانون الثاني 1992م، بنتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991م، الذي حققت فيه جبهة الإنقاذ فوزًا كبيرًا، الأمر الذي أدى إلى اغتيال الرئيس محمد بو ضياف بعد بضعة أشهر على يد أحد أفراد الحرس الرئاسي من ذوي الميول الإسلامية. ومن جانبها، أدانت طهران إلغاء السلطات الجزائرية نتائج الانتخابات المذكورة واصفة هذا الإجراء بأنه إجهاض لانتصار الإسلاميين.
د- موقف حركة النهضة التونسية
احتفت حركة الاتجاه الإسلامي، النهضة حاليًا بزعامة راشد الغنوشي، بالثورة الإيرانية؛ بوصفها نموذجًا ملهمًا لها في إمكانية استخدام العنف في مواجهة النظام التونسي وإسقاطه؛ الأمر الذي دفع السلطات التونسية إلى اتهام إيران خلال النصف الأول من الثمانينات بدعم منظمات «خمينية» في البلاد. كما كشفت في مرحلة تالية عن أدلة أشارت إلى تعاون واتصالات مستمرة بين حركة النهضة والجماعات الأصولية الأخرى وبين إيران، مما شكل أحد دوافع حظر نشاط الحركة عام 1987م، وقطع العلاقات مع إيران.
ومع أن العلاقات قد اُستؤنفت بينهما بعد حوالي عام تقريبًا، إلا أن بعض المصادر التونسية أشارت إلى أن إيران أجرت اتصالات برجال أعمال شيعة بالخليج لتنفيذ استثمارات في دول المغرب العربي لدعم الحركات الأصولية به وبدول إسلامية أخرى بأفريقيا.
هـ- موقف جبهة الإنقاذ السودانية
أما السودان، فقد كان الأمر مختلف تمامًا بعد سيطرة جبهة الإنقاذ الوطني الإخوانية على الحكم، بزعامة عمر البشير، عام 1989م، إذ تحولت العلاقة بين طهران والخرطوم غلى مستوى التحالف الاستراتيجي؛ فقد كان السودان يمثل لإيران مدخلًا بديلًا للنفوذ الإيراني داخل الدائرة العربية والأفريقية، بينما كانت الحكومة السودانية ترى في تحالفها مع إيران، فرصة للخروج من عزلته الدولية، في وقت كان يشهد حصارًا سياسيًا واقتصاديًا، بعد إدراجه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وقد عزز التحالف بين طهران والخرطوم المخاوف لدى مصر ودول المغرب العربي من تزايد النزعة الإيرانية المعلنة لدعم ومساندة الجماعات الأصولية في هذه الدول عبر السودان؛ الأمر الذي ألقى بظلال سلبية على علاقات السودان العربية، خاصة مع مصر وتونس والجزائر، إذ شهدت تدهورًا غير مسبوق، حتى بلغت حد القطيعة مع تونس بعدما اتهمت الخرطوم بتقديم الدعم لحركة النهضة المحظورة.
2- دعم ومساندة حركات التحرر:
آلية مهمة في استراتيجية بناء النفوذ الإيراني، وهذا ما عكسته المواقف والتصريحات الصادرة عن طهران، منها تصرح هاشمي رفسنجاني، بعد مرور حوالي عامين من قيام الثورة، قال فيه: «إننا لن نتراجع عن الوقوف إلى جانب حركات التحرر والشعوب المستضعفة». وسوف نكتفي هنا بإلقاء الضوء على مثالين لدعم ومساندة إيران لحركات التحرر، هما فلسطين وأفغانستان.
3- تصدير أعمال العنف والإرهاب:
نهضت بهذه الآلية أجهزة الأمن الإيرانية المختلفة وحققت من ورائها عددًا من الأهداف، أهمها:
أ- تصفية عناصر المعارضة الإيرانية بالخارج:
على سبيل المثال: علي أكبر طباطبائی الملحق الصحفي السابق بالسفارة الإيرانية بواشنطن (يونيو/حزيران 1980م) وشهريار شفيق ابن الأميرة أشرف بهلوي (ديسمبر/ كانون الأول 1981م) والفريق غلامعلی اويسی (عام 1984م) ورئيس الوزراء الأسبق شابور بختيار (أغسطس/آب 1991م) فضلًا عن تصفية بعض رموز المعارضة الكردية بأحد مطاعم مدينة میکونوس (سبتمبر/أيلول 1992م) مثل: صادق شرفکندی أمين عام الحزب الديمقراطي الكردي، همايون اردلان مدير مكتب الحزب بألمانيا، وفتّاح عبدلی ممثل الحزب بأوريا، ونوری دهکردی الناشط في مجال رعاية اللاجئين الإيرانيين بألمانيا.
ب- الانتقام من الدول المعادية للنظام الإيراني:
عبر تنفيذ مجموعة من العمليات الإرهابية، مثل تفجير عناصر حزب الدعوة الشيعي السفارة العراقية ببيروت (15 ديسمبر/كانون الأول 1981م) الذي أودى بحياة 61 شخصًا، بينهم السفير العراقي وجرح 110 آخرين، وتفجير عناصر حزب الله مبنى السفارة الأمريكية في بيروت (18 أبريل/نيسان 1983م) الذي أودى بحياة 63 شخصًا، ومقر قوات المارينز الأمريكية ببيروت أيضًا، وأودى بحياة 241 جنديًا، وتفجير مقر قوات النخبة الفرنسية الذي أودى أيضًا بحياة 58 جنديًا، و6 مدنيين واثنين من المهاجمين، إضافة إلى 75 جريحًا (23 أكتوبر/تشرين الأول 1983م) وتفجير مبنى السفارة (الإسرائيلية) والمركز الثقافي اليهودي في بيونس آيرس بالأرجنتين الذي أوى بحياة مئة يهودي (17/3/1992م)
ج- تهديد استقرار دول الخليج العربي:
من خلال تأسيس ودعم تنظيمات شيعية تنتهج العنف والتخريب والعمل على قلب أنظمة الحكم في هذه الدول، مثل: الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، وحركة أحرار البحرين، والتي حاولت إسقاط حكم آل خليفة بدولة البحرين (31 ديسمبر/كانون الأول 1980م) وحزب الله الكويتي الذي خرجت من تحت مظلته تنظيمات إرهابية أخرى مثل: صوت الشعب الكويتي الحر، وحزب الدعوة، وقوات المنظمة الثورية في الكويت، وطلائع تغيير النظام للجمهورية الكويتية والتي ارتكبت جميعها أعمال إرهاب وتخريب بجميع أنحاء الكويت.
ومن بين هذه الأعمال الإرهابية، محاولة تفجير موكب الشيخ جابر الصباح أمير الدولة (25 مايو/آيار 1985م) فضلًا عن تفجير وخطف الطائرات، التي أضرت بالمجتمع الكويتي. كما طال الإرهاب الإيراني السعودية، خاصة أثناء موسم الحج 1986م، وموسم العام التالي عندما دفعت الحجاج الإيرانيين إلى ممارسة أعمال عنف شعائر الحج.
كما حرضت إيران الجماعات والتنظيمات الشيعية العراقية للقيام بانتقاضة في جنوب العراق عام 1991م، حيث الأغلبية الشيعية، وهو الأمر الذي وقف دليلًا قاطعًا على إصرار طهران على تحريض شيعة العراق والدول الخليجية لصالح تنفيذ مخططاتها، الرامية للهيمنة على هذه المنطقة. وبالتالي لم تمض أشهر قليلة على تحرير الكويت عام 1992م، حتى واجهت إيران اتهامات رسمية برعاية الإرهاب من كل من: مصر والجزائر والأردن وتونس ولبنان والصومال تركيا وأفغانستان والبوسنة والأرجنتين.
4- بناء درع طائفي حول إيران:
حرصت طهران، منذ قيام الثورة على تكوين هذا الدرع الطائفي، بقدر حرصها على أن يتوحد أبناء الطائفة الشيعية بالمنطقة مع أهدافها، ويتظاهروا في نفس الوقت باهتمامهم بقضايا أوطانهم خاصة إذا كانت ترتبط بقضية بتحرير أرض أو دفع عدوان، كي يثبتوا أمام أبناء وطنهم أن الشيعة يعملون على تحقيق الأهداف العليا للدولة التي يعيشون؛ بوصفهم جزءًا أصيلًا منها، ويدرؤون عن أنفسهم أي تهمة قد تُوجه إليهم بالولاء لنظام ولاية الفقيه. عندئذ يمثلون رصيدًا سياسيًا للنظام الإيراني بوصفه النظام الوحيد المقاوم للاستكبار والداعم للمستضعفين، ومن ثم يتحول هؤلاء الشيعة تلقائيًا إلى وسيلة فعالة في الترويج للمواقف الإيرانية.
وفي هذا السياق، أسست إيران عددًا كبيرًا من الفصائل والميليشيات والأحزاب الشيعية المسلحة، بالمنطقة العربية المحيطة بحدودها الغربية تجسيدًا لجوهر الغايات المذهبية الرامية لتكوين حكومة الإسلام (الشيعي) العالمية تمهيدًا لعودة المهدي المنتظر في العقيدة الاثنا عشرية. كذلك الأمر بالنسبة لحدودها الشرقية مع أفغانستان وباكستان.
في أفغانستان
تمثل أفغانستان، في الاستراتيجية الإيرانية منطقة رخوة ومنطلقًا لأنشطة تمثل لها تهديد أمني واجتماعي مثل: تهريب المخدرات، وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان إليها. وعلى الرغم من هذا، عملت إيران على تعزيز نفوذها السياسي والمذهبي، والارتقاء بمكانة أبناء الأقلية الشيعية بالمجتمع الأفغاني، ومن ثم تمكنت هذه الأقلية، بفضل الدعم الإيراني، من الحصول على أول اعتراف رسمي بها، بموجب الدستور الأفغاني الجديد، والتمتع بالحرية الدينية وممارسة شعائرهم علنا؛ فضلا عن تمتعهم بمقاعد برلمانية ومناصب عدة في الحكم. والتزام السلطة القضائية بـتطبيق أحكام المذهب الشيعي في القضايا الخاصة بالأحوال الشخصية بهم.
وبناء عليه، أصبح الطريق مفتوحًا أمام الشيعة الأفغان لتحقيق مزيد من المكاسب الاجتماعية والسياسية، خاصة بعد أن أصبحت أحزابهم تتمتع بالصفة الرسمية، رغم ضعفها مقارنة بالأحزاب السنية، مثل وحزب الوحدة، وحركة نصر، وحركة الشورى والاتفاق، وحرس الجهاد، والحركة الإسلامية، وحزب الله. فتولى عدد من رموزهم مناصب رفيعة بالدولة، مثل كريم خلیلی نائب الرئيس حميد كرزاي، ومحمد محقق وزير التخطيط بحكومة كرزاي، ثم شغل منصب المساعد الثاني لرئيس الجمهورية للشئون التنفيذية.
في باكستان
تضم باكستان ثاني أكبر وجود شيعي بعد إيران؛ بنسبة تقدر بـ 20٪. من إجمالي عدد السكان. ويتوزع شيعة باكستان بصفة أساسية على مدن وقرى إقليم البنجاب، والمناطق الداخلية لإقليم السند، والأقاليم الشمالية المتاخمة للصين. ويتمتعون بنفوذ خاص واعتلاء المناصب العليا، منذ تأسيس الدولة عام 1947م، مثل محمد علي جناح مؤسس الدولة، واسكندر ميرزا صدر أول وزير دفاع، ولياقت علي خان أول رئيس وزراء، ثم یحیی خان، رئيس الجمهورية (1968ـ1971م) وذو الفقار علي بوتو الذي تولى رئاسة الجمهورية (1971ـ1973م) ورئاسة الوزراء (1973ـ1977م) فضلًا عن بينظير بوتو، وزوجها الرئيس آصف زرداري.
وقد أسس شيعة باكستان، برعاية أجهزة الأمن الإيرانية، مجموعة من التنظيمات السياسية، أهمها: جماعة تحریک جعفریة أو حركة تطبيق الفقه الجعفري، عام 1979م، التي عارضت قرار الرئيس ضياء الحق (1977-1978م) بتطبيق الفقه الحنفي بالدولة، وفرض الزكاة بصورة إجبارية، وتأميم الأوقاف الشيعية.
وتحولت الحركة، بعد ذلك، إلى حزب يسمى تحریک إسلامي، بوصفه أهم تنظيم سياسي شيعي في تاريخ باكستان، والذي تم حله بسبب تورطه في تأجيج أحداث العنف الطائفية التي عمت أرجاء باكستان عام 2003م، كما أسس شيعة باكستان أيضًا ميليشيات مسلحة، أهمها ما يُطلق عليه جيش المختار، عام 1986م بهدف حماية المساجد والحسينات والحوزات والمزارات الشيعية، ومنظمة جيش محمد، عام 1993م، بمدينة لاهور، والتي حظرت السلطات نشاطها، عام 2003م، بعد تلقي الآلاف من عناصرها تدريبات قتالية مختلفة داخل معسكرات الحرس الثوري بإيران.
ويمتلك شيعة باكستان عشرات المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية الرسمية. فضلًا عن مراكز التعليم الديني الأهلية الأخرى، مثل: مؤسسة «تنظيم المکاتب» التي تدير حوالي ألفًا ومائتين فرعًا لها بالمدن الباكستانية، ومؤسسة «محمدیه ترست» التي تدير مائة وخمسة وعشرين فرعًا، ومؤسسة «دانشجویان اصغریه» وسلسلة مدارس «مولانا غلام رضا سریوال» والتي يتركز نشاطها جميعا في: كراجي، وإسلام آباد، ومولتان، والبنجاب، وبيشاور، وراولبندي.
كما يتبعون نظامًا خاصًا في تنظيم أداء أنصبة الخُمس، عبر جمعيات يشرف عليها وكلاء معتمدون من المراجع الدينية، وتتكفل ببناء المدارس والمساجد والحسينيات والمراكز الخدمية، ورعاية الفقراء والمعوزين. كما أنهم ينشطون في مجال التثقيف العقائدي والدعوة للمذهب، بالتعاون مع المؤسسات الإيرانية المعنية والقنصليات الإيرانية الموجودة بكراتشي ولاهور وبيشاور وكويتا، والمستشارية الثقافية بإسلام آباد، التي تدير وحدها خمس مراكز ثقافية أخرى. ولذا تشهد باكستان حركة تشييع واسعة النطاق بين أهل السنة، خاصة بالمناطق الفقيرة.
وفي هذا السياق، نجحت الأجهزة والمؤسسات الإيرانية في استدراج الشيعة الباكستانيين للتورط في الحرب الدائرة في سوريا، بأعداد كبيرة ضمن صفوف ما يُسمى «لواء زينبيون» تحت قيادة الحرس الثوري (سترد الإشارة إليه لاحقا)
5- فتح آفاق دعوية في أفريقيا:
تعتمد طهران على هذه الآلية داخل دائرة الجوار الجغرافي ودائرة الشيعة حديثة النشأة؛ لاستقطاب المؤسسات والجمعيات الإسلامية وجماعات السياسة المتعاطفة معها، وجذب اهتمام المثقفين وزعماء القبائل المحليين وأصحاب الحضور الفاعل بوسائل الاتصال الجماهيري بالقارة الإفريقية؛ بغرض توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي ونشر المذهب الشيعي. وتحظى إفريقيا باهتمام إيراني خاص؛ نظرًا لأنها قارة بِكر يُشكل المسلمين فيها نسبة 60٪ وتشهد انتشارًا سريعا للإسلام. فضلًا عن أن دولها تُشكل تمثل ثلث أعضاء منظمة الأمم المتحدة، وهي كتلة تصويتية مهمة تحتاجها طهران.
كما تولي اهتمامًا خاصًا بمنطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، بهدف تحقيق وجود بحري مؤثر لها بمنطقة باب المندب ومدخل وقناة السويس، التي تجعل وصولها إلى ساحات المواجهة المركزية بالشرق الأوسط سهلًا، كأن يمكنها مثلًا تهريب الأسلحة والعناصر الإرهابية إلى قطاع، غزة واليمن عبر إريتريا والصومال وجيبوتي، أو أن تمثل حلقة وصل مهمة لشبكة التهريب الواسعة التي يديرها حزب الله اللبناني لحساب الحرس الثوري.
وتعمل إيران على بناء نفوذ «جيوشيعي» بالقارة الإقريقية من خلال شبكة المراكز الثقافية المنتشرة في إثنتي عشرة دولة، تغطي القارة كلها، هي: نيجيريا، وكينيا، وأوغندا (غير نشطة)، وزامبيا، وتنزانيا، وأثيوبيا، وزيمبابوي، والسنغال، وسيراليون، وجنوب أفريقيا، والسودان (أغلقت) والجزائر (أغلقت) وتونس، وغانا.
إذ تتكامل جهود المؤسسات المعنية بنشر المذهب الشيعي هناك، مثل رابطة الثقافة والاتصال الإسلامية، وجامعه المصطفي العالمية، ومركز أهل البيت العالمي ومجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، ومنظمة الحوزات والمدارس العلمية بالخارج، ومؤسسة دار الهدى للنشر والتوزيع، وجامعة الإمام الخميني الدولية، ومكتب نشر آثار الإمام الخميني. إضافة إلى وزارت العلوم والبحث العلمي والتكنولوجيا، التي نجحت في نشر علم الإيرانيات وتأسيس كراسي تدريس اللغة الفارسية واستقطاب أساتذة اللغة من القارة الأفريقية، ومكاتب تمثيل الفقهاء الشيعة.
6- بلورة إطار مؤسسي للأقليات الشيعية
نجحت إيران في تكوين كيانات شيعية متماسكة داخل الأوساط السنية، من خلال مجموعة من الإجراءات، نذكر منها ما يلي:
أ- تأسيس المجالس الشيعية العليا
على غرار تجربة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي أسسه موسى الصدر في لبنان عام 1967م، لتنظيم شؤون الطائفة والارتقاء بمستواها الاجتماعي والاقتصادي، والاضطلاع بدور مباشر في نشر المذهب الشيعي والترويج لقيمه الفكرية والسياسية والاجتماعية، داخل المحيط الاجتماعي الأكبر. وتختلف مهمة هذه المجالس من دائرة اهتمام إيرانية إلى أخرى، كاختلاف المجالس الشيعية بمنطقة الشرق الأوسط تختلف عن نظيرتها الموجودة في آسيا وأفريقيا. ومن بينها:
وهو عبارة عن محاولة أعلن عنها فلسطيني يُدعى محمد غوانمة، على الرغم من عدم وجود طائفة شيعية معروفة بالأراضي الفلسطينية. حيث أعلن تأسيس هذا بوصفه «امتدادًا للإسلام العظيم». في إيران؛ على اعتبار أنها تمثل، في نظره، ركيزة المشروع الإسلامي العالمي. مؤكدًا على أن مشروع هذا المجلس هو «مشروع إسلامي دعوي»، يعمل في إطار «دولة فلسطين، حكومة ورئاسة وشعبًا» خاصة أن هدف دعوته ديني سياسي سلمي يصب في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس.
وأضاف: «إن تأسيس هذا المجلس من شأنه توثيق العلاقات بين الشعبين الفلسطيني والعراقي، إضافة للإخوة في إيران. وأن المجلس الشيعي في فلسطين هو امتداد للمشروع الإسلامي، الذي سبقنا إليه الإخوة في مصر في تأسيس المذهب الجعفري هناك». وعلى الرغم من ذلك فقد أعلن، بعد أسابيع قليلة، عن تراجعه عن تشكيل هذا المجلس، بقوله: انه لا وجود لمثل هذا المجلس بعد اليوم، وأنه لا علاقة له بالطائفة الشيعية وأنه يبرأ من هذه الفكرة.
عبارة عن محاولة أخرى أعلن عنها عبد الحميد دشتي النائب (السابق) بالبرلمان الكويتي في أغسطس/آب 2013م، وعندما أعلن نيته الإعداد للجنة التحضيرية التأسيسية لتكون نواة لهذا المجلس، مشيرًا إلى أن «مقر المجلس المؤقت سيكون في ديوانيته وأنه مستعد للانتقال لأي مكان يخصصه أي من الخيرين لهذا العمل، وعندها سوف يقوم بتسليم إدارة المجلس لمن يتم اختيارهم، متعهدًا ألا يكون له أي دور فيه سوى أن يكون خادمًا له».
أسسه محمد الدريني، ويصدر صحيفة بعنوان «صوت آل البيت» والتي تستهدف نشر المذهب الشيعي بين الأشراف ورجال الطرق الصوفية في صعيد مصر وشبه جزيرة سيناء. ويمارس هذا المجلس نشاطه تحت غطاء توفير بعض الخدمات الاجتماعية، أسوة بمسار تقديم الخدمات الرئيسي، الذي ت
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية