هذه ترجمة لمقال نُشر عام 1938 في صحيفة Frankfurter Zeitung بتاريخ 7 أغسطس/آب. يسلّط المقال الضوء على النفوذ البريطاني في الخليج العربي منذ القرن التاسع عشر، ويستعرض تاريخ الاستعمار البريطاني وعلاقاته مع شيوخ الإمارات العربية، بما في ذلك أحداث مهمة مثل مصير أمير عربستان الأحواز، الشيخ خزعل بن جابر آل مرداو، والسيطرة على المواقع النفطية الاستراتيجية مثل عبادان، وتطور الاتفاقيات والسياسات البريطانية تجاه إيران ودول الخليج العربي. كما يناقش المقال التغيرات الجيوسياسية، والنزاعات الإقليمية، والتحولات في سيطرة بريطانيا على الطرق البحرية والموانئ، مع التركيز على أهمية النفط والملاحة الجوية كعوامل أساسية في استراتيجيتها بالمنطقة.
وباختصار، يعكس المقال قراءة ألمانية لمستوى النفوذ والسيطرة البريطانية في الخليج العربي، والتحديات التي واجهتها بريطانيا من إيران والشيوخ المحليين في سياق مصالحها النفطية والاستراتيجية بين الحربين العالميتين.
"إن حساسية الإنجليز تجاه قضايا الخليج العربي ليست جديدة. فقبل الحرب، كان مجرد وصول سفينة تجارية روسية واحدة أو بضع سفن ألمانية إلى موانئ الخليج كافياً لإثارة القلق في حكومة الهند البريطانية. ولمواجهة هذا الخطر، عُيّن السير برسي كوكس مقيماً بريطانياً في بوشهر. وفي عام 1914 كتب فيلهلم فاسموس من بوشهر عنه: لقد اعتبر أن مهمته في الحياة هي إخضاع الخليج العربي بأكمله للهيمنة البريطانية."
في القرن التاسع عشر كانت هذه الهيمنة قائمة بالفعل، حتى وإن لم تكن قائمة على أساس القانون الدولي. وهناك قاعدة سياسية قديمة تقول: من يسيطر على الهند، يجب أن يسيطر على الخليج العربي.
في القرن السادس عشر كان البرتغاليون هم أصحاب النفوذ بحصونهم العظيمة في البحرين ومسقط. وبعد فترة انقطاع جاء الإنجليز من بعدهم. ولم يكن من السهل عليهم منع صعود نظام القرصنة البحري المزدهر. فقد كان من الضروري حماية صيد اللؤلؤ ونقله إلى بومباي، وكذلك الحد – إلى حد ما – من تجارة الرقيق القادمة من السواحل العربية والإيرانية. وتم إبرام اتفاقيات مع شيوخ الساحل على الجانبين. ومنذ ذلك الحين لم يُطلق على الساحل العربي اسم "ساحل القراصنة" بل سُمّي "الساحل المتصالح" أي ساحل الاتفاقيات – وهو في البداية كان وصفاً مبالغاً في مجاملته.
لكن منذ الحرب العالمية الأولى ومع صعود قوة إيران تغيّر الوضع جذرياً في الخليج. فلم يعد هناك فرق كبير بين شيخ عربي وشيخ آخر في الخليج.
فرؤساء القبائل في ابوشهر ولنجه ظلوا مستقلين لعقود، لكن فجأة وجدوا أنفسهم أمام خيارين: إما الخضوع لحكومة الشاه رضا بهلوي القوية أو السجن في طهران – وكثير منهم اختفوا فعلاً. وفجأة افتقد الإنجليز خصومهم الصغار المتفرقين ليجدوا أنفسهم في مواجهة خصم واحد: حكومة الشاه.
وكانت حادثة شيخ المحمرة هي التي أرعبتهم أكثر من أي شيء آخر. فالمحمرة تقع قبالة البصرة، وسط بساتين النخيل على الضفة الشرقية لشط العرب، على بُعد كيلومترات قليلة من عبادان، حيث توجد أعظم مصفاة نفط في العالم، والتي تُزوِّد البحرية البريطانية بنفط شركة النفط الأنجلو-إيرانية. وكانت علاقات صداقة خاصة تربط الحكومة البريطانية بهذا الشيخ المهم استراتيجياً. وكان قصره البديع ينعكس على مياه شط العرب، وكانت حفلات يخته مشهورة عالمياً. لكن في أحد الأيام أُخذ الشيخ إلى طهران لا في سيارة فاخرة كما اعتاد، بل على ظهر حصان عادي، عبر جبال قاحلة وصحارى شاسعة، ميلاً بعد ميل، حتى وصل إلى عاصمة الشاه، الذي لم يطع أوامره طوعاً.
هذه الحادثة أثارت خلافاً شديداً بين الإنجليز. فحكومة الهند في سيملا أرادت إنقاذ الشيخ، بحجة أن تركه سيقوض مصداقية الوكلاء البريطانيين في الخليج الذين وعدوه بالدعم الكامل. لكن وزارة الخارجية في لندن – التي كانت تسعى جاهدة للحفاظ على علاقة ودية مع طهران – لم تكن مستعدة للدفاع عنه. فتم التضحية بالشيخ، وبقي في طهران حتى وفاته.
كانت هذه مجرد البداية. فقد أظهرت للعالم أن الشاه عازم على إعادة بسط سيادة الدولة الإيرانية الكاملة على الخليج. المرحلة الثانية كانت عام 1931، حين مُنع طيران البريد الجوي الإمبراطوري من التحليق فوق الساحل الإيراني. ثم جاءت المرحلة الثالثة في أبريل 1935: الانسحاب “الطوعي” للقوة البحرية البريطانية من قاعدتي هنجام وباسيدو على الساحل الإيراني إلى البحرين.
حينها طرح السير أرنولد ويلسون، المفوض السامي في بغداد ثم لاحقاً مدير شركة النفط الأنجلو-إيرانية في عبادان، أسئلة محرجة على وزير الخارجية السير جون سيمون:
“هل انسحبت بريطانيا رسمياً من السيادة التي مارستها على جزيرة باسيدو؟ ألم يكن العلم البريطاني يرفرف هناك لأكثر من مائة عام؟ ألم يُعلَن مراراً أن هذه الأرض بريطانية؟”
فأجاب جون سيمون بأن الظروف المناخية لم تكن صحية، وأن المكان لم يكن أرضاً بريطانية أصلاً، وأن الحكومة رأت أن مصالحها تُخدم أفضل بنقل القاعدة إلى البحرين.
لقد أظهر هذا الجدل مدى غموض أوضاع الخليج. فالقوة البريطانية تعتمد على اتفاقيات صداقة وحماية مع شيوخ متفرقين، بينما الحكومة الإيرانية تطعن في شرعية تلك الاتفاقيات مع شيوخ تابعين لبلاد فارس. والسؤال: إلى أين تمتد “الأراضي الفارسية”؟
في الأحواز وعبادان ما زال الإنجليز موجودين، لكن ليس تحت علم بريطانيا، بل بموجب امتياز النفط الذي حصل عليه ويليام نوكس دارسي عام 1901. وفي عام 1932 ألغت طهران الامتياز، فاحتكمت بريطانيا إلى عصبة الأمم. واضطرت لدفع مليون جنيه استرليني وزيادة حصة الحكومة الإيرانية من الأرباح من 16% إلى 20%، إضافة إلى رسم قدره 9 بنسات على كل طن من النفط الخام. وقد اعتبر كثيرون ذلك هزيمة لإنجلترا، لكن البريطانيين احتفظوا بموقعهم – وإن بثمن مالي – حفاظاً على إمدادات أسطولهم في حالة الحرب.
أما فيما يتعلق بعبادان، فإن النزاع بين العراق وإيران حول شط العرب مسألة بالغة الأهمية لبريطانيا، رغم أنها لا تمسها رسمياً بشكل مباشر. فبموجب اتفاق عام 1937 تم تسوية الخلافات الحدودية بين العراق وإيران، لكن قضايا الملاحة والسيطرة على المياه – وهي قضايا جوهرية بالنسبة لبريطانيا – لم تُحسم بعد. وحتى الآن ما تزال تيارات دجلة والفرات تصب في شواطئ عبادان وتمنحها طابعاً عراقياً. فجزيرة عبادان أشبه بجزيرة طينية مفصولة بمجرى ضيق غير صالح للملاحة، وبالتالي لا تستطيع السفن الإيرانية الاقتراب من خزانات النفط وأنابيبها وأبراجها. لسنوات طالبت إيران بأن يكون خط الحدود في منتصف شط العرب. وبموجب اتفاق 1937 كان مقرراً أن تجري مناقشات حول هذه المسألة وحول تشكيل لجنة نهرية. لكن السؤال الكبير: هل ستكون اللجنة عراقية-إيرانية فقط، أم سيكون هناك طرف ثالث للتحكيم؟ وإذا كان طرفاً ثالثاً، فهل سيكون محايداً أم بريطانياً؟.”
المصدر:
Reference
IOR/R/15/2/178
Title
‘Articles in Press on Gulf Affairs’
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية