في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، وبينما كان العدوان الإسرائيلي على غزة مستمرًا، أصدر سياسيون وناشطون في المجتمع المدني الإيراني، بيانًا حذّروا فيه المرشد علي خامنئي من "جرّ البلاد إلى حرب، عبر اتخاذ سياسات مغامِرة وغير حكيمة وغير وطنية".
وقال البيان، الذي وقّعه نحو 80 ناشطًا، إن "الهجوم على إيران ليس له أي تأثير سوى تدمير البلاد، وتعزيز الاستبداد الحاكم، وتكريس سياسات قمع المجتمع المدني والسياسي، وتقلص المائدة الصغيرة لأغلب الشعب الإيراني".
وأكد الناشطون، أنه "لا يحقّ لخامنئي تجاهل إرادة غالبية الشعب الإيراني، وأن يعطي الأولوية لأوهامه حول المنطقة، وما هو أسوأ من ذلك، تحريك جبهة الوكلاء المسمّاة بـ "محور المقاومة" للدخول في الصراعات الحالية، والأكثر خطورة الدخول المباشر في هذه الصراعات"، محذّرين من أن "خطر فرض الحرب قريب من الشعب الإيراني".
جاء البيان، وسط مخاوف في إيران من "احتمالات "الانجرار إلى حرب" مع الولايات المتحدة و(إسرائيل)، الأمر الذي دفع مسؤولين في نظام الملالي للتصريح علنًا بأنهم لا يريدون الحرب، رغم التهديدات الكلامية العنترية التي سبق وأطلقها بعض هؤلاء المسؤولين أنفسهم بـ "محو (إسرائيل) من الوجود"!
في هذا الصدد، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده تسلمت رسائل أمريكية تطالب إيران بـ "ضبط النفس"، وتؤكد أن "واشنطن لا تريد الحرب مع إيران".
وأورد موقع "الخارجية" الإيرانية مؤخرًا عن عبد اللهيان قوله، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن «الأمريكيين طرف في الحرب عمليًا بوقوفهم إلى جانب (إسرائيل)». وأضاف: "ندرك أن أمريكا لا تريد اتساع الحرب، بل تسعى إلى تكثيفها".
ووجّه عبد اللهيان، توصية إلى «البيت الأبيض» بأن يسعى وراء وقف الحرب، إذا لم يرغب باتساعها في المنطقة. وأضاف: "إذا كانوا يسعون إلى زيادة حِدة الحرب في المنطقة، فعليهم أيضًا تحمُّل المسؤولية".
وسُئل وزير الخارجية ثانية حول ما إذا كانت إيران ستدخل الحرب، فأجاب: "ما نقوله يصبُّ في مصلحة المنطقة وجميع اللاعبين، التركيز على الحل السياسي، ووقف المجازر بحق الفلسطينيين، لكن عندما تخرج المنطقة عن السيطرة، سيؤثر ذلك على الأمن الإقليمي والأمن الوطني لكل الكيانات السياسية في المنطقة، وكل كيان سيتخذ القرار الذي يتناسب مع مصلحته".
من جهته، قال الرئيس السابق حسن روحاني لمجموعة من الناشطين السياسيين خلال مؤتمر أقيم مؤخرًا في طهران، إن "شبح الحرب يخيّم على المنطقة أكثر من أي وقت مضى"، مضيفًا أن "الأيام والأسابيع والشهور المقبلة مصيرية لإيران والمنطقة".
ودعا روحاني إلى "اليقظة" لإبعاد شبح الحرب عن إيران. وقال: "أبعد ظل الحرب عن بلدنا عدة مرات بعد حرب الثمانينات (مع العراق) بسبب تدبير وقرار المرشد (خامنئي)".
نشرت "فورين بوليسي" مقالًا للكاتب البريطاني من أصل إيراني أراش رايزينجاد، الباحث في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، عددّ فيه الأسباب التي تمنع إيران من الدخول في صراع مباشر مع (إسرائيل).
استهل الكاتب مقاله بالرسالة التي كتبها متشددون إيرانيون إلى المرشد الأعلى، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وطالبوه فيها بالدخول مباشرة في الصراع الدائر في غزة، معتبرًا أنه "رغم محاولة المتشددين في إيران وغيرهم، جر طهران إلى صراع مباشر مع (تل أبيب)، فإن هذا الأمر بعيد المنال."
وأوضح أن التفكير الاستراتيجي الإيراني أكثر حذرًا من الانجرار لحرب إقليمية، مشيرًا إلى أن هناك عدة أسباب تدفع إيران لتجنب بدء حرب مع (إسرائيل) نيابة عن "حماس"، أولها أن الحكومة الإيرانية الحالية لا تستطيع حشد المجتمع للانخراط في حرب جديدة.
وأشار إلى أن الدعم الشعبي للحكومة الإيرانية منخفض مقارنة بفترة حرب العراق، منوهًا إلى الاحتجاجات التي اندلعت العام الماضي، بالإضافة للأزمة الاقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية، وصولًا إلى السخط بين الشباب والطبقة المتوسطة، وكل هذه الأمور تدفع طهران للتفكير مرارًا قبل الدخول في حرب.
وهناك سبب آخر، وفق الكاتب، وهو حالة الانقسام التي تشهدها الحكومة الإيرانية بين متشددين مؤيدين للحرب، ومعتدلون يحذرون من الانجرار للصراع.
يتبنى المتشددون الإيرانيون، نظرية أن تدمير "حماس" سيلاحقه تدمير لـ"حزب الله" ومن ثم الدخول في حرب مباشرة مع بلادهم، ولذلك يدعمون استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.
على الناحية الأخرى، يرى المعتدلون أنه إذا اتخذت بلادهم موقفًا متطرفًا بشأن غزة، فإنها ستنجر إلى حرب مع الولايات المتحدة، وهو ما سترحب به (إسرائيل).
إلى ذلك، يقول الخبراء، إنه في حين أن إيران تشعر بالقلق من الانجرار إلى الحرب بين (إسرائيل) و"حماس"، فقد لا يمكنها السيطرة الكاملة إذا ما تدخلت الميليشيات التي تدعمها في المنطقة بشكل مستقل، في الوقت الذي تعاني فيه غزة من ضربات شديدة واستمرار ارتفاع عدد الشهداء.
وقالت سيما شاين، رئيسة برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، إن "ما يربط كل هذه الجماعات بإيران هو سياساتها المناهضة لإسرائيل"، مشيرة إلى أنه ورغم تمتع إيران بمستويات متفاوتة من التأثير على مجموعاتها، فهي لا تملي عليها كل تصرفاتها.
من جانبه، قال تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي في واشنطن العاصمة، إنه لا توجد شهية أو رغبة من جانب إيران أو الولايات المتحدة أو (إسرائيل) لحرب أوسع نطاقًا، لكن فشل واشنطن في كبح جماح (إسرائيل) قد يدفع المنطقة عن غير قصد نحو التصعيد.
وفي غياب الجهود الأمريكية لكبح جماح (إسرائيل)، "فسوف يشعر العديد من اللاعبين (الإقليميين) بأنهم مجبرون على التدخل... بسبب حساباتهم الاستراتيجية الخاصة".
وقال بارسي: "إنهم يقومون بالفعل بإعداد الرأي العام لهذا الاحتمال من خلال محاولة تقديم الحجة القائلة بأن هذا الشيء قد وصل إلى عتبة بابهم بسبب ما يفعله الإسرائيليون وبسبب الدعم الأمريكي له". وأضاف أن هذا يظهر أن هناك بالفعل مخاوف لدى الحكومة الإيرانية بشأن كيفية رد فعل المواطنين على حرب تشارك فيها إيران بشكل مباشر.
وقال، إنه حتى لو كانت هناك حرب أوسع لا تزال "أقل من عتبة المشاركة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران" حيث تقتصر على شركاء إيران الذين يقاتلون (إسرائيل)، فسيظل الوضع غير مستقر للغاية. "لا أحد يستطيع حتى السيطرة على الوضع الحالي والتأكد من عدم التصعيد."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- إيران قد لا ترغب بحرب شاملة مع إسرائيل.. ولكن هل تنجر لها؟، موقع سي إن إن بالعربية، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
2- مخاوف في إيران من مواجهة مباشرة مع أميركا أو إسرائيل، موقع الشرق الأوسط، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
3- المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية: لا نريد توسيع الحرب وسنقضي على وكلاء النظام الإيراني، موقع إيران إنترناشيونال، 12 ديسمبر/كانون الأول 2023.
4- فورين بوليسي: أسباب تدفع إيران لتجنب الصراع المباشر مع إسرائيل، موقع مصراوي، 5 ديسمبر/كانون الأول 2023.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية