حاولت إيران منذ زمن طويل، وتحديدًا منذ ثورة 1979، توسيع نفوذها في المنطقة المغاربية، سواء من خلال الدبلوماسية أو الجماعات المسلحة التابعة لها مثل "حزب الله" اللبناني، حيث تنشط الجماعة الشيعية المسلحة في هذه المنطقة، بهدف تقديم الدعم العسكري واللوجيستي لجبهة البوليساريو الانفصالية، التي تتمرد على منطقة الصحراء المغربية منذ عام 1976، حتى الآن.
ويرى محللون ومراقبون مغاربة أن جبهة البوليساريو المعادية لمصالح المملكة، مدَّت يدها إلى "حزب الله" بدءًا من عام 2016، بتعليمات من إيران وبدعم من "الحرس الثوري"، لكي يشكلا معًا وجهين لعملة واحدة، هي القيام بأنشطة إرهابية وأعمال غير قانونية، بهدف تمويل الجبهة الانفصالية لاحتياجاتها بعد نقص الموارد المالية لأسبابٍ مختلفة، بينما يجد حزب الله الفرصة متاحة ليتمدد في منطقة شمال إفريقيا.
وكشف تحقيق أجرته قناة "أي 24 نيوز" العبرية في فبراير/شباط الماضي، عن طبيعة العلاقات المتشعبة بين الجماعة الصحراوية الانفصالية و"حزب الله"، الذي يعد بمثابة رأس الحربة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وفي شمال إفريقيا على وجه الخصوص. وحسب التحقيق، فإن التنظيم اللبناني متورط في شبكة مالية واسعة لجبهة البوليساريو الانفصالية. ومن خلال تحويل الأموال عبر وسطاء، نظمت البوليساريو "شبكة واسعة النطاق لغسيل الأموال غير القانوني في إسبانيا".
أبعاد المؤامرة الإيرانية
امتدت المؤامرة الإيرانية من مدينة تندوف الجزائرية، إلى أوروبا والإمارات، وبالطبع إلى لبنان عبر "حزب الله". ومن بين البلدان الأوروبية التي يشملها هذا المخطط، ذكرت صحيفة "دي فيلت" الألمانية بلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا.
وسلط التحقيق الضوء، بشكل خاص، على رجل أعمال تابع للذراع المالي للجماعة الشيعية مؤسسة "القرض الحسن". وتشير تقارير من وكالات استخبارات غربية إلى أن أحمد عبد الرحمن هو زعيم هذه الشبكة، الذي كان سيجتمع مع رجل الأعمال اللبناني في دولة أوروبية بعد أن أعلن ولاءه لـ "حزب الله". وفي إحدى المناسبات، صرح قائلًا "لقد أظهروا قوتهم في حرب سنة 2006 ضد "إسرائيل" وأوفوا بعهدهم".
ووفق المراقبين، فإن توغل "حزب الله" وإيران في شمال إفريقيا لن يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة فحسب، بل يشكل أيضًا تهديدًا لأوروبا. وحسب تصريحات عميل مخابرات سابق من القارة للقناة الإسرائيلية فإنه "إذا لم يدرك الأوروبيون هذه المشكلة اليوم، فغدًا سيكون قد فات الأوان". ولعل هذا السبب الذي دفع المغرب لقطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران عام 2018.
وقبل سنوات، سلط مسؤولون مغاربة الضوء على العلاقات بين "حزب الله" والبوليساريو بعد زيارة قام بها وفد عسكري من الجماعة الشيعية إلى تندوف في سنة 2016.
وفي 2017، اعتقلت السلطات المغربية قاسم تاج الدين في مطار الدار البيضاء، بناء على مذكرة توقيف دولية صادرة عن الولايات المتحدة. ويعتبر تاج الدين، المتهم بغسل الأموال والإرهاب، أحد كبار المسؤولين الماليين في "حزب الله" في إفريقيا.
وذكر المحلل الإيراني والأستاذ بجامعة نيويورك أراش عزيزي، أنه "منذ ثورة 1979، حافظت إيران على علاقات وثيقة مع جبهة البوليساريو، مما تسبب في توترات مع الرباط".
وإلى جانب أهميته الجيوستراتيجية، يعتبر المغرب الكبير أيضًا بوابة إلى الساحل، وهي منطقة تستغل فيها قوى مثل روسيا عدم الاستقرار والمشاعر القوية المعادية لفرنسا لتعزيز نفوذها. في هذه الحالة، يمكن لطهران أيضًا الاستفادة من هذا الوضع لترسيخ نفوذها في المنطقة.
كما أرسل النظام الإيراني وفودًا إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي دول تسعى طهران لتعزيز علاقاتها معها في مجالات مختلفة، مثل الاقتصاد أو السياسة أو الصحة، وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية علي باقري كني. كما أعلن الدبلوماسي أن إيران ستعين سفيرًا في واجادوجو، وستقدم منحًا دراسية لطلاب بوركينا فاسو في الجامعات الإيرانية.
أنشطة مشبوهة
يلعب "الحرس الثوري" دورًا بارزًا في إفريقيا، خاصة في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار. وبهذه الطريقة يُمهد الطريق لإيران لاختراق القارة، فتحت قيادة الجنرال المغدور قاسم سليماني، وسّع "فيلق القدس" نطاق تحركاته في سلسلة من الحروب الأهلية في إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وحسب المسؤولين المغاربة، فإن الاجتماعات بين البوليساريو و"حزب الله" "والحرس الثوري" تم عقدها في "مكان سري" بالجزائر العاصمة، معروف لدى الأجهزة الجزائرية، ومستأجر من طرف المدعوة "د. ب"، وهي جزائرية متزوجة من أحد كوادر "حزب الله"، تم تجنيدها كعميلة اتصال تابعة للحزب، خاصة مع البوليساريو.
وكانت السفارة الإيرانية بالجزائر العاصمة هي صلة الوصل، التي تربط بين "حزب الله" والجزائر والبوليساريو، من خلال مستشارها الثقافي أمير الموسوي، الذي كان دائمًا هو الشخص الرئيسي والمحوري في محاولات نشر التشيع في العديد من البلدان العربية والإفريقية.
وفي أبريل/نيسان 2021، أدى القبض على اللبناني باسم إبراهيم يوسف، الموالي لـ "حزب الله" في الرباط، إلى الكشف عن مؤامرات إيران في المغرب، ومحاولاتها المستمرة نشر الفوضى والتطرف والقتل في البلاد.
وأكد تقرير لصحيفة «ناشيونال إنترست»، في حينه، أن التوتر الدبلوماسي بين المغرب وإيران بات واضحًا بشكل كبير، بعد أن قطعت الأولى علاقتها نهائيًا مع نظام الملالي. ونقل التقرير عن مسؤولين مغاربة أن المواطن اللبناني الذي اعتقلته المخابرات المغربية، كان يسعى لتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية بتوجيهات من المخابرات الإيرانية.
وألقت السلطات المغربية القبض على المواطن اللبناني «57 عامًا» ولا يعرف عنه الكثير، باستثناء أنه عضو في "حزب الله"، وعُثر بحوزته على جوازات سفر وبطاقات هوية أوروبية متعددة.
ويقول الدكتور محمد عصام لعروسي، الخبير في الشأن الاستراتيجي والعسكري، "منذ سنة 2016 أصبحت العلاقة قائمة بين جبهة البوليساريو وحزب الله، وهي العلاقة التي تتأكد من خلال الطرف الجزائري الذي يدعم الجبهة، ويوفر لها ملاذًا أو حاضنًا طبيعيًا".
وتابع "لعروسي" أن "جبهة البوليساريو صارت في الآونة الأخيرة عنصر اضطراب في منطقة شمال إفريقيا، على غرار الجماعات القتالية الأخرى، مثل جماعة القاعدة في المغرب الإسلامي، وداعش، وجماعات أخرى تشكّل مصدر اضطراب خطير"، مضيفًا أن "معالم العلاقة والتفاعل اكتملت بين البوليساريو، وجماعات إرهابية وإجرامية، تنفّذ أنشطةً غير مشروعة في منطقة الساحل جنوب الصحراء، مثل المخدرات وتبييض الأموال والاتجار في البشر، والاتجار في الأسلحة".
وأوضح أن "حزب الله" كذراع من أذرع إيران في المنطقة، يواصل التغلغل الإيراني في شمال إفريقيا، وأنه يمتلك العديد من الأنشطة المشبوهة خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، من خلال تبييض الأموال والمتاجرة بالمخدرات، وهناك من منتسبي "حزب الله" من يقومون وينفذون هذه الأنشطة المشبوهة والأعمال الإجرامية.
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- البوليساريو وحزب الله… علاقات خطرة في مستنقع الإرهاب، موقع كيوبوست، 23 فبراير/شباط 2023.
2- لأول مرة... تفاصيل الاجتماعات السرية بين "حزب الله" و"البوليساريو" بالجزائر، موقع سبوتنيك عربي، 13 مايو/آيار 2018.
3- ما طبيعة العلاقة التي تربط البوليساريو بـ "حزب الله" اللبناني؟، موقع نون بوست، 6 فبراير/شباط 2023.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية