«ثورة سبتمبر» أخطر احتجاجات منذ «الانتفاضة الخضراء»

- 29 سبتمبر 2023 - 429 قراءة

مهسا أميني تحوّلت إلى "رمز" للدفاع عن الحريات العامة وإلى شخصية موحدة للاحتجاجات

 

الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة شاملة لم تكن ردة فعل لحظية... بل كانت تعتمل في صدور الإيرانيين

 

صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية: الاحتجاجات أكبر تهديد للجمهورية الإسلامية منذ نشأتها قبل 44 عامًا

 

 

اتسع نطاق الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران في منذ منتصف سبتمبر/أيلول 2022، واستمرت حتى مطلع العام الحالي، وأطلق عليها المراقبون فيما بعد "ثورة سبتمبر 2022".

بدأت هذه الاحتجاجات بوفاة الشابة الكردية مهسا أميني، أثناء احتجازها من قبل "شرطة الأخلاق" في طهران، لتشكّل بعد ذلك أكبر تهديد للنظام منذ "الثورة الخضراء" عام 2009، حيث امتدت الاحتجاجات التي أطلق عليها الإيرانيون اسم "انتفاضة المرأة"، إلى معظم محافظات إيران البالغ عددها 31 محافظة، في وقت تصاعدت فيه الاشتباكات بين المواطنين الغاضبين وقوات الأمن التابعة للنظام في جميع أنحاء البلاد.

وأثارت وفاة "أميني" غضبًا عامًا بشأن عدة قضايا من بينها تقييد الحريات الشخصية، بما يشمل فرض قيود صارمة على ملابس النساء، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي يترنح تحت وطأة العقوبات الأمريكية.

وتحولت مهسا أميني إلى رمز للدفاع عن الحريات العامة، وإلى شخصية موحدة للاحتجاجات ولمطالب الإيرانيات والإيرانيين، وإلى وجه إيراني جديد معروف على مستوى العالم أجمع.

الموت للديكتاتور

بلغت الاحتجاجات ذروتها بعد إعلان وفاة الشابة أميني إذ قامت النساء بحرق حجابهن أمام قوات الأمن، ورفعن شعارات مناهضة للمرشد علي خامنئي، من بينها "الموت للديكتاتور" و"النساء، الحرية، الحياة".

ولم يكن النظام الإيراني يتوقع خروج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع للتظاهر. وبدل أن يستجيب لمطالبهم، راح يستخدم القوة والعنف ضدهم. فيما قام باعتقال عدد كبير منهم، خاصة النساء اللواتي قررن تحدي قوات الأمن وخلع الحجاب في الشوارع.

ووفق الحصيلة التي أقر بها "الحرس الثوري" الإيراني الذي قام بقمع الاحتجاجات، فلقد تم قتل أكثر من 300 متظاهر وسجن المئات. لكن منظمة حقوق الإنسان في إيران ومقرها أوسلو، تحدثت عن حصيلة مختلفة لعدد القتلى في طهران بسبب قمع السلطات للاحتجاجات، وقالت بأنها بلغت نحو 416 قتيلًا. ولا يزال العدد الحقيقي لضحايا "ثورة سبتمبر 2022" الإيرانية غير معروف بشكل دقيق، شأنه شأن عدد الناشطين والمتظاهرين الذين يقبعون في سجون إيران.

وأظهرت فيديوهات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، خروج مئات الآلاف من المواطنين في مختلف المدن الإيرانية، وذلك رغم القمع الشديد من قوات الأمن التي استخدمت الرصاص الحي والغاز لتفريق المحتجين.

وأكد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، نُشر في حينه، أن الاحتجاجات جاءت في وقت محوري وحرج بالنسبة للبلاد، موضحة أن هناك اعتقادًا بين المراقبين أن هذه الجولة من التظاهرات، قد تكون أكثر أهمية من أي من سابقاتها في السنوات الأخيرة.

ومن جانبها، اعتبرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، أن الاحتجاجات هي أكبر تهديد للجمهورية (الإسلامية) منذ نشأتها قبل 44 عامًا، قائلة إن "هذه الانتفاضة قد تكون نشبت بسبب انتهاكات لحقوق المرأة، لكنها نتاج عقود من القمع".

وذكرت الصحيفة البريطانية، في تقرير لها، أن النظام الإيراني لم يواجه "تظاهرات بهذا الحجم من الانتشار والتماسك من قبل، فالمتظاهرون ينتمون لفئات مختلفة اقتصاديًا واجتماعيًا، وهم من عرقيات مختلفة، إنهم يريدون شيئًا أكبر من الإصلاح السياسي والاقتصادي، إنهم يريدون الحرية وتغيير النظام".

ونقلت الصحيفة عن إيرانيين خرجوا في التظاهرات الدائرة في البلاد، قولهم "إنهم ضُربوا وأطلق عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع ومنهم من كُسرت ذراعه، ومع هذا فهم يرفضون الصمت، ويشددون على أنهم لم يروا في حياتهم هذا الحجم من الغضب والكره للحكومة ولقادتها الدينيين".

رسالة شديدة اللهجة

لم تكن الانتفاضة التي شهدتها إيران في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وليدة شرارة مقتل مهسا أميني فحسب، بل كانت تعبيرًا عن حالة من الإحباط طالت جيل الشباب الإيراني، جراء الفساد الممنهج في أوساط النخبة السياسية الإيرانية، وتفشي الفقر والبطالة في البلاد، مع ارتفاع الأسعار، ووصول نسبة التضخم لأكثر من 50%، فضلًا عن الافتقار إلى الحرية الاجتماعية والسياسية، وكلها أمور جعلت جموع الإيرانيين يشعرون باليأس.

ووجّهت الاحتجاجات رسالة شديدة اللهجة إلى النظام الحاكم في إيران، مفادها أنه سوف يغامر في حالة ما إذا أصر على اتباع السياسات الحالية في الداخل والخارج. ويعني ذلك في المقام الأول، أن إصرار النظام على إنكار أن هناك أسبابًا داخلية أدت إلى اندلاع الاحتجاجات الحالية، بالتوازي مع استمراره في استنزاف الموارد الإيرانية في دعم الحلفاء من الميليشيات المسلحة في الخارج، كل ذلك سوف يكون كفيلًا بتفجر الوضع في الداخل، بشكل قد لا يستطيع النظام احتواءه في نهاية المطاف.

واعتبر المراقبون، أن تحول الاحتجاجات إلى ثورة عامة هزّت كيان النظام الإيراني، مرهون بعدة عوامل، أهمها تماسك المؤسسات نفسها وإمكانية انضمام تيار من داخلها لموقف الرأي العام، والمدى الزمني لاستمرار الاحتجاجات بالزخم نفسه، وعدم تحولها لاشتباكات أهلية بين مؤيدي ومعارضي نظام الملالي، ومدى إمكانية انتهاز الجماعات الانفصالية في المناطق الطرفية، مثل إقليم كردستان وبلوشستان انشغال المؤسسات الأمنية بفض الاحتجاجات لشن هجمات ضد النظام وإرباكه وتقويض قدرته على احتواء الغضب الشعبي المتصاعد.

وانتقل الحراك الاحتجاجي الذي اندلع عقب مصرع مهسا أميني، من مرحلة الغليان، والتململ الصامت، إلى حالة الانفجار الشعبي العارم في الشوارع والميادين، معلنًا رغبة الشعوب الإيرانية المغلوبة على أمرها، في الانعتاق من أسر الملالي، إلى الأبد.

ولم تكن الانتفاضة التي تحولت يومًا بعد يوم إلى ثورة شاملة، ردة فعل لحظية، بل كانت تعتمل في صدور الإيرانيين كثير من الممارسات القمعية للحريات العامة، ومن ثم فهي ثورة حرية، وليست ثورة حجاب، أو ضد الحجاب، إنها التعبير الأمثل عن كل حالة الرفض للسياسات الأمنية والاقتصادية والحياتية، التي تمارسها سلطات الملالي ضد مواطنيه، وضد جيرانه في وقت معًا.

وبعد مرور عام على الانتفاضة، لا تزال الرواية الرسمية لنظام الملالي، تتمسك بأن ما شهدته البلاد وقتها هو "أعمال شغب ومؤامرة من أعداء إيران، بينهم الولايات المتحدة و(إسرائيل)"، ساعد على تنفيذها "الخونة" من الإيرانيين في الداخل والخارج.

واستخدم النظام الإيراني أساليبه الدعائية لصرف الانتباه عن الاحتجاجات، وإلقاء اللوم على "التدخل الأجنبي"، ولكن الحقيقة أن النظام لم يكن قادرًا على احتواء الغضب الشعبي هذه المرة، كما فعل طوال تاريخه الممتد 44 عامًا، فلا يوجد الكثير لتقديمه، ومن الصعب تصور أي شيء سوى الإحباط المتزايد للمواطنين العاديين، والذين وصلت بهم الأمور إلى حدها الأقصى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- مرور عام على وفاة مهسا أميني: "النظام هو الذي أصبح يشعر بالخوف وليس الشعب"، موقع فرانس 24، 13 سبتمبر/أيلول 2023.

2- بين العنف والصمود... أي مصير ينتظر احتجاجات إيران؟، موقع إندبندنت عربية، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

3- إيران تهدد المحتجين بمحاكمات.. وعدد القتلى يرتفع إلى 304، موقع العربية نت، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2022

.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.