ثقافة الكذب (1)| في إيران.. كيف يُدير ملالي طهران ماكينة الأكاذيب الرسمية؟

- 26 مايو 2022 - 894 قراءة

أدمن ملالي طهران إطلاق الأكاذيب منذ وصولهم إلى السلطة عام 1979، من باب التُقية تارة، ومن قبيل الادعاءات والأوهام السياسية تارة أخرى. وكان الزعيم الإيراني موسوي الخميني الراحل هو "الكذاب الأكبر"، فالرجل كان ينسق مع أمريكا سراً لضمان نجاح الثورة، بينما يعاديها بتصريحات نارية من قبيل "الشيطان الأكبر" في العلن. وبذلك، بات الكذب بالنسبة لحكام إيران أسلوب حياة!

ويُعد حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية نموذجا للكذب الإيراني، فقد أسقط "الحرس الثوري" في 8 يناير 2020 الطائرة التي كانت تحمل على متنها 176 شخصا، بثلاثة صواريخ عن طريق الخطأ. ومنذ اللحظة الأولى، لجأ النظام الإيراني إلى نشر الأكاذيب، للتغطية على الحادث، قبل أن يجد نفسه محاصرا تحت ضغط دولي رهيب ومضطرا للاعتراف بالمسؤولية عن ذلك!

 

سلسلة من الأكاذيب

 

بعد وقوع الحادث مباشرة، بدأت سلسلة الأكاذيب الإيرانية للتنصل من الحادث، واستمر الكذب الرسمي على أعلى المستويات في السلطة لمدة 72 ساعة قبل الاعتراف بالحقيقة، فقد أعلن التلفزيون الإيراني تحطم طائرة أوكرانية فوق العاصمة طهران بعيد دقائق من إقلاعها، بسبب "مشكلات فنية". وكان من المستغرب توضيح السبب بعد دقائق من وقوع الحادث، وفي ذات خبر الإعلان عن سقوط الطائرة.

وعمد حكام طهران، في البداية، إلى الترويح لفرضية حدوث "عطل في المحرك"، مما أدى إلى تحطم الطائرة بالقرب من مطار الخميني، إضافة إلى احتمال وجود دليل على ارتفاع درجة حرارة في أحد محركات الطائرة. وأعلنت السلطات الايرانية عثورها على الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة، لكنها رفضت تسليمهما إلى شركة "بيونج" الأمريكية المصنعة للطائرة، لمعرفة سبب التحطم، وهو ما لمح، آنذاك، إلى رغبة المسؤولين في طهران في إخفاء معالم الحادث.

وازداد الغموض بشأن الواقعة بعد قرار إيران بالاحتفاظ بالصندوقيّن الأسوديّن للطائرة، ما جعل عددا من الدول تدخل على الخط، من بينها أمريكا وأوكرانيا وكندا، للدعوة إلى التحقيق في الحادث. وعلى الرغم من أن مسؤولية التحقيق في ملابسات تحطم الطائرة تقع على عاتق إيران بموجب الأعراف الدولية، فإن المخابرات الغربية أجرت تقييمات أولية وأفادت بأن الطائرة جرى إسقاطها بفعل صاروخ إيراني، وهو ما صرح به رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

غير أن الأكاذيب الإيرانية استمرت، حيث نفت طهران على لسان المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، أن تكون الطائرة قد أصيبت بصاروخ، قائلا إن "كل هذه التقارير حرب نفسية ضد إيران".

وبفعل التصريحات المتوالية لمسؤولي الدول الغربية وقلقهم المتواصل، ازداد الضغط على السلطات الإيرانية، ما جعلها تعلن "الحقيقة" بعد مرور 72 ساعة على الواقعة، حيث اعترفت طهران أن الطائرة الأوكرانية "قصفت نتيجة خطأ بشري غير مقصود"!

من جهة ثانية، قوبلت مزاعم الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني في 5 أكتوبر 2020، بشأن "تفوق طهران اقتصاديا على ألمانيا"، بموجة من الدهشة والسخرية من جانب رواد موقع "تويتر". تفاخر روحاني، خلال اجتماع بالمقر الوطني لإدارة أزمة كورونا، بـ "النجاح" في التعامل مع وباء كورونا، مدعيا أن الوضع الاقتصادي لإيران ليس سيئا فحسب، بل أفضل أيضا من بلد مثل ألمانيا!

وسخرت صحيفة "جهان صنعت" المحلية ضمنيا من تصريحات روحاني، بقولها: "في ظل اهتمام الناس في الشوارع والأسواق الإيرانية بارتفاع أسعار البيض يدعي الرئيس حسن روحاني أن وضعنا أفضل من الألمان". وذكرت الصحيفة المتخصصة في الشؤون الاقتصادية في تقرير لها، الإثنين، أن إسحاق جهانجيري، النائب الأول للرئيس الإيراني، عقد اجتماعا خاصا بغية البحث عن حلول لأزمة غلاء أسعار البيض والدجاج بشكل غير مسبوق مؤخرا.

ودعت "جهان" روحاني بدلا من هذه الخطابات الدعائية، إلى التركيز على طرق أكثر جدوى للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد في إيران، فيما وصفت صحيفة اعتماد الإصلاحية تصريحات حسن روحاني حول وضع إيران الاقتصادي ومقارنته بألمانيا الغربية، بأنه "قياس مع الفارق"!

 

ماكينة الكذب الإيرانية

 

رغم افتضاح الأكاذيب الإيراني الرسمية أمام الرأي العام العالمي، فإن ماكينة الكذب الذي تبثه الدعاية الإيرانية بشكل يومي، ما زالت تعمل بقوة، حيث يرى الكاتب فاروق يوسف أن "في كل ما تقوله إيران هناك نوع من السخرية من الحقيقة. فلو استحضرنا مواقف إيران المستمرة من الأحداث، سنكون على بينة من طريقة التفكير الإيرانية القائمة على مبدأ المناورة والرهانات المتعددة التي تنطوي على الكثير من الكذب. ولقد كذب محمد جواد ظريف، وزير خارجية النظام كثيرا أثناء المفاوضات التي سبقت الاتفاق النووي. وكان يكذب في كل اتجاه من أجل أن يُخفي الحقيقة"!

ويرى بعض المحللين السياسيين الأكاذيب الإيرانية من وجهة أخرى، حيث يعتبر الكاتب اللبناني البارز خير الله خير الله، أن ثمة عالما من اللامعقول يتكشّف على نحو باهر أمام أعيننا في هذا الصدد، فاللواء حسين سلامي، قائد «الحرس الثوريّ» الإيرانيّ، يصرح لقناة «الميادين» الفضائية الشيعية - بكل بساطة- أنّ الظروف غير ملائمة الآن لمحو إسرائيل. غدا ربّما!

وجاءت هذه التصريحات الهزلية بعد ساعات قلائل على ضربات إسرائيليّة جديدة استهدفت ضواحي العاصمة السورية دمشق، وأصابت مواقع عسكرية تابعة للميلشيات الإيرانية، وهو الأمر الذي تكرر مرارا خلال الأشهر الأخيرة، حيث قصفت إسرائيل معسكرات ومنصات صواريخ إيرانية في سوريا عدة مرات، دون أن تنفذ طهران تهديداتها المستمرة بـ "محو إسرائيل من الوجود"!

أضاف خير الله، أن "معظم الذين درسوا الأنظمة العقائديّة المغلقة لاحظوا أنّ الكذب، خصوصا من خلال الدعاية السياسيّة (البروباجندا)، سمة أساسيّة من سمات هذه الأنظمة. إنّها تكذب كما تتنفّس".

بيد أن المفكرين الذين كتبوا، وكانوا يركّزون على "النازية والستالينية" بوجه خاص، إنما كتبوا في خمسينيات القرن الماضي. حينها كانت الأكاذيب قابلة للتصديق بسبب محدودية تأثير وسائل الإعلام، وما رافقها من محدوديّة التواصل، ومن القدرة على ممارسة الرقابة تعطيلا للإذاعات والتلفزيونات، وغير ذلك. لقد كان جزء من العالم يعيش وراء "ستار حديدي"، وهو ما بات شيئا من الماضي، الذي مازال ملالي طهران يعيشون فيه، وعليه!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

 

  1. إيران وسياسة الكذب المطلق، موقع ميدل إيست أونلاين، 7 فبراير 2020.
  2. إيران جمهورية الكذب، موقع الحرة، 6 مارس 2018.
  3. إيران لا تكذب... لكنها تعيش في عالم غير العالم، موقع عربي 21، 23 فبراير 2020.
  4. إيران وكارثة الطائرة.. 72 ساعة من "أكاذيب ما قبل الاعتراف"، موقع سكاي نيوز عربية، 12 يناير 2020.
  5. أكبر كذبة في التاريخ.. إيران تتفوق اقتصاديا على ألمانيا، موقع العين، 5 أكتوبر 2020.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.