المرأة وأزمة الديمقراطية الأمريكية

- 8 مايو 2025 - 115 قراءة

لعبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية دورًا كبيرًا بكشف الستار عن حقيقة المجتمع الأمريكي المنقسم على نفسه. وما يحمل في طياته من متناقضات على أساس النوع البشري متجسدةً على هيئة صراع ما بين إرثه القديم المتمثل من خلال الاحتفاظ بالأدوار التقليدية للجنسين من قبل الذكور والإناث ما فوق 45 عامًا الرافضين لجميع المطالبات التي تمس تابوهاتهم المقدسة التي لا تقبل التغيير. ورغبة النساء الجامعيات والفئات الشبابية في التغيير وقبول اختلاف الآخر المختلف، والمساواة على أساس النوع نابعة من المعرفة والوعي الحر ومدركة لطبيعة وجوهر الهوية الأنثوية التي لا تقبل القولبة، والصورة النمطية للأدوار المنوطة بها، والمطالبة برفع القيود عن بعض الممارسات لتكون على أساس الحرية من دون قيود بما يتماشى مع ما جلبته الحداثة الرأسمالية وما تحمله من قيم نيو ليبرالية.

توقع برايان لانزا، مستشار أول في حملة دونالد ترامب، أنه واثق من فوز ترامب لأن "الفجوة بين الجنسين من الذكور تمنحنا الأفضلية". لم يكن من فراغ إنما جاء بناءً على تحليله العميق وتقييمه وفق المعطيات لطبيعة المجتمع الأمريكي. وعلى أساسه قدم إلى جانب المستشارين الآخرين ضمن حملة ترامب الانتخابية العديد من الأطروحات.

ويبدو أن السيد ترامب والمستشارين القائمين على حملته الانتخابية أجادوا اللعب عبر مخاطبة هواجس الطبقات المحافظة والتعبير عن رغباتها بالحفاظ على القيم المجتمعية الأمريكية، عندما أطلق شعاره أمريكا عظيمة (أمريكا أولًا)، وهو ما جعله يستقطب البيض وخاصة الرجال على حساب باقي مكونات المجتمع الأمريكي. في دعوة صريحة بأن قيادة المرأة أيًّا كانت، من أصول بيضاء أو سمراء، يعتبر خطرًا على الهوية الأمريكية لما تحمله من قيم وانفتاح وهدم للقيم التقليدية المتعلقة بالأدوار الوظيفية لكلا الجنسين على حدٍ سواء وفي ذلك تشكيك بقدرة المرأة في القيادة.

وخطابه هذا لم يأتِ من فراغ، وعلى ما يبدو أنه والقائمين على حملته الانتخابية استخلصوا دروسًا من دورته الرئاسية الأولى، كيف توجهت النساء البيض الجامعيات وصوتن لصالح كلينتون 2016 فقد بلغت نسبة النساء البيض اللواتي صوتن لصالح كلينتون 51% مقابل 44% لصالح ترامب.

وازدادت هذه النسبة في انتخابات 2024 لصالح هاريس بنسبة 54% مقابل 44% لترامب. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على التغيير في القيم الأمريكية نتيجة التطورات المتسارعة في عالم المعرفة والتكنولوجيا وبرامج تمكين المرأة. وأن المرأة تسعى إلى تغيير الصورة النمطية التقليدية للأدوار المنوطة بالمرأة.

ويبدو هنا إصرار ترامب على مخاطبة وجدان الرجال ونقاط ضعفهم وبأن تفوقهم وقوتهم على النساء متمثلة في جانبها الغزيزي. لذا، ركز في خطاباته على ذلك.

وبحسب استطلاع الرأي بعد خطابه هذا زاد تصويت الرجال وخاصة الشباب حيث ارتفع إلى 46% مقابل من صوت له 36% عام 2020. والملاحظ هنا ليس البيض وحدهم إنما الشباب والرجال اللاتينيين وبالتالي نحن أمام ذهنية ذكورية تعبر عن حقيقة العقلية الذكورية باختلاف المستويات العمرية والعرقية.

إذ يبدو أن الذهنية الذكورية، مهما تقدمت العلوم والمعرفة تجد مصدر قوتها وفحولتها في غريزتها على الرغم مما حصل ويحصل من تقدم تكنولوجي ومعرفي، فهناك هوة كبيرة بين التطور الحاصل والمنظومة القيمية التي تأسس عليها المجتمع الأمريكي، والقائمة على الطبقية والتفوق الجنسي للرجل. فمما لا شك فيه استطاع المجتمع تجاوز البعض من المنظومة القيمية التي شكلت عبئًا أمام تقدم المجتمع الأمريكي واستطاع التخلص من البعض منها مثل العنصرية الأمريكية حيال السود. وبقيادة بارك أوباما لسدة الحكم كسر ذلك الحاجز واستبشرت الإنسانية خيرًا وأن الحقوق تتجاوز الأعراف. ولكن يبدو أنها لم تتجاوز الفارق الجنسي في النوع البشري في عالم النيوليبرالية. وهذا ما يعيد بنا الذاكرة إلى جمهورية أفلاطون الفاضلة في أثناء تقسيمه للجمهورية إلى طبقات، والتي لم يصنف فيها المرأة أساسًا واعتبرها أقرب إلى العبيد.

بالنظر إلى تطور مقاليد الحكم وترؤس رجل من أصول سوداء للحكم، حتى وقت قريب كان يعامل عبدًا، يبدو ذلك العبد باعتباره ذكرًا لم يشكل خطرًا على المنظومة القيمية الذكورية، إنما سيدتان رغم أنهما ترشحتا لقيادة أمريكا بل العالم، ووصلتا إلى هذا المستوى كان نتاج مكتسبات وإنجازات حققتها المرأة ونضالات وأدوار عظيمة قدمتها عبر التاريخ حتى يومنا هذا. ولعل خير دليل نستدل به هو الدور الذي لعبته رئيسة حملة انتخابات ترامب سوزي ويلز هذه السيدة بما تمتلك من حنكة وكفاءة كان لها الدور الرئيس بفوز ترامب. وبالمقابل لم يكتف الغالبية من نعت كاملا هاريس بظل بايدن. إذًا نحن هنا أمام معضلة رئيسية في النظر إلى المرأة على أنها تابع وظل وليست كيانًا مستقلًا. هذه النظرة عمرها آلاف السنين منذ تشكل أولى لبنات المجتمع الطبقي القائم على الاستغلال والنهب وما حمل في طياته من إرهاصات أولى بالنظام الرأسمالي.

انطلاقًا من تلك الفرضية نستنتج أن تأسيس أمريكا كمجتمع قائم على الرأسمالية والطبقية والتي أدواتها العبيد والمرأة، واليوم تعيش أقصى هذه الدرجات متمثلة بالحداثة الرأسمالية، لا يمكن التعويل عليها في تقديم نموذج في العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية حيال المرأة. وإن وجدت لن تتعدى إطار الشكل والتباهي إلى أنها الديمقراطية الحقيقية. لكون المجتمع في أساسه مبني على إشكالية ومعضلة أفرزت جميع الأزمات والتناقضات التي يعاني منها. وكما يقال أن "المقدمات الخاطئة لا تفرز نتائج سليمة".

ولقد تمكن المجتمع الأمريكي من تحقيق قفزات كبيرة في سلم الديمقراطية لكنه لم يحققه بالمستوى المطلوب. ولن يحققه ما لم تنل المرأة حقوقها وتعش وفق هويتها الأنثوية بعيدًا عن الهيمنة الذكورية.

وما دمنا نتحدث عن الصراع القائم ما بين الحديث والقديم بكل ما يمثله من منظومة قيمية ضحيتها المرأة بالدرجة الأولى، وعليه تأسس المجتمع، فنستطيع القول إنه لا يمكن التعويل عليه في تصدير نموذج المرأة الواعية الحرة. وفي أن يفرض علينا العودة إلى مهد الحضارة الإنسانية حيث العدالة الاجتماعية والمساوة، وحيث لا أدوار تقليدية للجنسين، حيث الجميع يكمل بعضه بعضًا، والجميع سواسية في الحقوق والواجبات. المرأة قائدة ورائدة وليست ظلًا أو تابعًا، هكذا هي في الشرق حيث مهد الحضارة الإنسانية والمنظومة القيمية الأخلاقية. فهل يستطيع الشرق استعادة زمام الأمور، وتسطع منه شمس الحرية مجددًا، ويصدر نموذج المرأة الحرة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية - القاهرة

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.