القاهرة تحيي العلاقات "الكردية الأرمنية" في الذكرى 110 للإبادة الأرمنية

- 20 يونيو 2025 - 4 قراءة

عقدت الهيئة الوطنية الأرمنية ندوة بعنوان "القضية الأرمنية في فكر أوجلان" بمدينة القاهرة حاضر فيها الدكتور محمد رفعت الإمام، سلط فيها الضوء عبر تقديم قراءة نقدية شاملة لعملية "الإبادة الجماعية" بحق الأرمن من المنظور الأوجلاني.

طرح الموضوع في هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها منطقة شرق الأوسط من صراعات وحروب عبثية وعمليات إبادة ممنهجة وعمليات تغيير ديموغرافية في غاية الأهمية. ما يمارس اليوم ليس إلا تكرارًا لسيناريو الماضي بأدوات ووسائل ذاتها وبعض الأحيان بأدوات أخرى. لعلَّ أهم ما كان ملفتًا هو بالرغم من حنكة واستراتيجية مخطط الإبادة بحق الشعب الأرمني عبر اللعب على الوتر الديني وتأليب الشعوب ضد بعضها البعض. تمكنت الدولة التركية حينها من تحقيق نتائج كبيرة حيث وصل عدد الضحايا ما يقارب المليون ونصف المليون من المدنيين العزل إلى جانب ممارسة عمليات إبادة على كافة الأصعدة الجسدية والثقافية والمادية والديموغرافية ومجتمعات ممزقة مليئة بالأحقاد والعنصرية وثقافة الكراهية. إلا أنها لم تتمكن من القضاء على الشعب الأرمني أولًا، وثانيًا من هدم عمق العلاقات التاريخية بين الشعوب وعلى وجه التحديد الشعبين الأرمني والكردي ضاربة جذورها في التاريخ لتنتصر في النهاية. أمام هذه النتائج الكثيرة والمتغيرة تبقى حقيقة واحدة ثابتة بأن الشعوب باقية وعمق العلاقة والروابط المشتركة قادرة على تجاوز جميع العواصف وأنها زائلة مهما طال بها الزمن.

طرحنا اليوم لأهمية عمق العلاقة الكردية –الأرمنية في مواجهة سياسات السلطات التركية منذ أكثر من 110 عامًا. السيناريو اليوم يتكرر في سوريا عبر الحروب الطائفية والدينية والعرقية. هذه الحرب العبثية والتي يتم بها تأليب مكونات الشعب الواحد ضد بعضه البعض لأجل تمزيق النسيج المجتمعي وضرب السلم الأهلي لأجل بعض المنتفعين وخدمة للمشاريع الخارجية. ما يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي من تسجيلات مصورة ومسجلة لبعض الشخصيات تعمل على شحن المشاعر وإثارة الضغائن والأحقاد انتقامًا من التاريخ في حال تغييب كلي للحقيقة. هذه المقاربات منذ 2011 وإلى يومنا هذا دخلت سوريا دوامة حرب عبثية آخرها أحداث الساحل وسد تشرين وليس آخرًا جرمانا. هذه المكونات في يومٍ ما كانوا في خندق واحد في محاربة المحتل الأجنبي. حيث تمكن أجدادهم باتحادهم تحرير سوريا واليوم الأبناء المغيبين عن الحقيقية يدفعون ثمن فاتورة تحرير الوطن على أساس الهوية الوطنية الجامعة. نعم سوريا وليست سواها. الأعداء اليوم ينتقمون من الأبناء ويثأرون لهزيمتهم عبر ضربهم بعضهم البعض.

الآخر (العدو المهزوم) الذي أدرك أهمية عمق الروابط التاريخية بين مكونات المجتمع الواحد. عمل ويعمل على تفكيكها لتمرير مشاريعه. مستغلًا غياب الحوكمة الرشيدة في مجتمعات يسودها الاستبداد والديكتاتورية والإقصاء والتهميش، والجهل بالحقيقة المجتمعية والاكتفاء بالإرث الديني السياسي.

إعادة طرح إحياء العلاقات التاريخية بين الشعوب من القاهرة لما تحمله القاهرة من رمزية ومكانة تاريخية وثقل إقليمي ودولي ذي مغزىً كبير. بأن القاهرة التي حيك فيها مخطط تقسيم المنطقة أو بالأحرى إعادة هندسة المنطقة من جديد، وفق خرائط مؤتمر القاهرة عام 1921، والتي تم فيها وضع اللمسات الأخيرة لشكل العراق وتم تشكيل أول حكومة عراقية في ذاك المؤتمر وكذلك رسم خريطة الأردن وتم النقاش على كيفية التحضير لدولة إسرائيل. وتم فرض خرائط التقسيم بعيدًا عن إرادة شعوب المنطقة. جدير بأن نعود إلى قراءة للتاريخ مجددًا واستخلاص العبر والدروس. هذه المرة بإرادة شعوبها عبر تشكيل تحالفات عمادها الوعي الحر والتلاحم الروحي والثقافي، متجاوزين التقسيمات والخرائط المفروضة على الشعوب عامة.

وما نعيشه من إبادات حقيقية بحق بعض المكونات الأصيلة من مكونات الشرق الأوسط نابع من عدم الإدراك لحقيقة التاريخ. والإبادة الأرمنية على سبيل المثال تبعتها إبادة كردية منذ 1925 مرورًا لما حصل ويحصل للفلسطينيين والسوريين والعراقيين، لا نعلم على من سيأتي الدور في قادم الأيام. شرائح واسعة من الشعوب تعيش الجهل بثقافة المنطقة ومكوناتها بكل معنى الكلمة. بل أحيانًا هناك تجاهل تام وبشكل متعمد من قبل بعض السلطات التي تجمعها مصالح سياسية مع الدولة التركية لإخفاء الحقائق وتزييفها. فها هي سوريا بعد 14 عامًا من الحرب والأزمة وبعد هروب رأس نظامها ومجيء هيئة تحرير الشام التي كانت مدعومة من تركيا ولا زالت وتربعت على عرش السلطة في دمشق، أول عمل قامت به هو تغيير بعض المفردات في المناهج الدراسية، وعملت على حذف كلمة الاحتلال العثماني للمنطقة واستبدلته بكلمة "الفتح".

لذا، من هنا يأتي طرح السيد أوجلان تأكيده على أهمية العودة إلى إعادة قراءة التاريخ حينما أطلق مقولته المشهورة "التاريخ مخفي في حاضرنا ونحن مخفيون في بداية التاريخ"، حيث لا يمكننا إدراك حاضرنا وتجاوز أزماتنا واستعادة دور الشعوب في قيادة مجتمعاتها من دون العودة إلى معرفة جذورها التاريخية ونقدها. حينها يمكننا أن نؤسس لمستقبلنا. مستقبل مبني على أسس سليمة ومتينة عمادها العيش المشترك وأخوة الشعوب وقبول الآخر. وهذا القبول ينبغي أن يكون مبني على أسس فلسفة مجتمعية مرتبط بسيسولوجيا حرية المجتمع وليس بعيدًا عن هذا الأمر. لأنه رأينا على مرّ القرن المنصرم والذي كان قرنًا لتشكل الدولة (الوطنية)، حيث أثبتت فشلها بعد قرن من الزمن بشكل كبير وبانت حقيقتها في أنها لم تكن لا دول ولا وطنية، ولم يكن ثمة سيادة وطنية حتى. كانت دول هشَّة انهارت بمجرد رحيل حكامها الديكتاتوريين. ولذلك البحث في العيش المشترك ينبغي النبش في حقيقة عيش كل هذه الثقافات والأديان مع بعضها البعض على مر آلاف السنين وكيف أنهم عاشوا في حالة تكامل. وهذا لا يعني البتة أنه لم تكن هناك صراعات ونزاعات، ولكنها بكل تأكيد لم تكن بقصد الإقصاء والإمحاء بالدرجة التي نعيشها اليوم، بقدر ما كان سببها توسيع رقعة الإمبراطورية وأخذ نتاجات الشعوب الأخرى. لكنها بكل تأكيد تلك النزاعات والمعارك لم تكن تمحو الثقافات الأخرى ولم تكن تفرض عليهم عدم التحدث بلغتهم الأم، بل على العكس. وأكبر دليل على ذلك، هو أنه ورغم الكم الهائل من الإمبراطوريات وعديدها عبر تاريخ المنطقة، نرى أن كافة المكونات تحتفظ بثقافاتها ولغاتها وعاداتها إلى الآن.

الآن أيضًا وعلى ضوء هذه الحقيقة وبشكل معاصر يمكن لكافة شعوب المنطقة أن تعيش مع بعضها البعض وفق فلسفة الأمة الديمقراطية، لأنها الأكثر انسجامًا مع حقيقة وطبيعة  الخصائص المجتمعية لمنطقة. الأرمن والكرد والعرب والتركمان والآشوريين -الكلدان، وكذلك المعتقدات من سنة وشيعة ودروز وإيزيديين وإسماعيليين وصابئة وشبك وغيرهم، بمقدورهم التعبير عن ثقافتهم ومعتقداتهم بكل حرية في مجتمع حر يسوده الاحترام، بعيدًا عن إقصاء أي طرف على حساب طرف آخر. العيش المشترك سيكون وفق شعار "الكل مع الكل" وليس "الكل ضد الكل" كما الآن. إنه اختلاف فكري وأجندات ومصالح ضيقة ووقتية. وتبقى الحقيقة كامنة في حقيقة الصراع ما بين المجتمع الذي يقود نفسه بنفسه، ومن يسعى للاستحواذ على السلطة بيده ليقود المجتمع كما تريد مصالحه. ويبقى تفوق سيناريو أو الخيار الأول مرهون بإحداث ثورة وعي مجتمعية على المفاهيم والتصورات الذهنية السائدة. إلا تظل المجتمعات رهينة سيناريو الثاني وتدخل دوامة جديدة  من الصراعات والحروب والأزمات.

 

*ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية - القاهرة

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.