التغيير الديموغرافي في سوريا.. بين تركيا ونظام بشار

- 25 يناير 2023 - 787 قراءة

أكد د. مدحت حماد، أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة طنطا، ورئيس مركز الفارابى للدراسات، أن التهديدات التي تنال الأمة السورية لا تقل أهمية عن الاخطبوط السرطاني الإيراني المتغلغل في أرجاء الوطن السوري، ولا عن الاحتلال الأمريكي الإسرائيلي لأجزاء غالية في الوطن العربى، مؤكداً أنه لازالت أزمة الأمة السورية تلقي بظلالها على مستوى الشرق الأوسط بأكمله وليس على المستوى المصري والعربي فقط.

جاء ذلك فى كلمته الافتتاحية للندوة التى عقدها مركز الفارابى، والتى ناقش فيها مأساة الأشقاء السوريين الذين يتعرضون لشتى صنوف التنكيل الجسدى والمعنوى، من قتل وتشريد، وطرد قسرى، ونزوح داخلى، أنتج منذ اندلاع الحرب السورية، وتدخل أطراف إقليمية ودولية فيها إلى تفريغ سوريا من نصف سكانها على الأقل، خلال العقد الأخير.

 

 

 

ماذا يحدث فى الشمال الشرقى لسوريا؟

انعقدت الندوة يوم السبت (21 يناير/كانون الثاني)، تحت عنوان: "التغيير الديموغرافي في سوريا ووحدة الدولة الوطنية": الأبعاد، التداعيات وسبل المواجهة، وذلك بمقر إقامة أنشطة مركز الفارابي، بالمنتدى الثقافي المصري، ضمن فعاليات الموسم الثقافي السادس للعام 2023، وأدارها اللواء دكتور علاء عز الدين منصور، رئيس الهيئة العلمية العليا للمركز، وناقشت اللجنة بشكل أساسى التدخل التركى المسلح فى الشمال الشرقى لسوريا، وشنه عدد من العمليات العسكرية استهدف مدن وبلدات الشمال الشرقى السورى بهدف السيطرة على مساحة من الأراضى، على الشريط الحدودى الفاصل بين تركيا وسوريا، بدعوى تأمين العمق التركى، وفى استعداد تركيا لشن العملية الرابعة (المؤجلة) بضغط أطراف أجنبية، وصل ما استولت عليه القوات التركية مدعومة بعدة فصائل، كونت منها ما يسمى "الجيش السوري الحر" وتدعمه تركيا لوجستيًا، وتنظيميًا، وذلك منذ 30 مايو/أيار 2017، وهو هيكل المعارضة السورية المسلحة غير الرسمية المكونة أساسًا من الثوار العرب السوريين و‌تركمان سوريا العاملين في شمال سوريا.

 

 

ومع تدخل تركيا فى الشمال الشرقى لسوريا، مارست عملية تغيير ديموغرافى ممنهج يستهدف بالأساس وحدة سورية، ونتج عن هذا التغيير مأساة إنسانية مروعة يعانى نتها أطياف الشعب السورى الذى مورست عليه عمليات التهجير والطرد والإزاحة فى الأماكن التى سيطرت عليها تركيا، وإحلال عناصر موالية لها، وهذا ما تناولته الندوة فى عدد من المحاور أبرزها: أبعاد وطبيعة التغيير الديموغرافي والدور التركي وتداعيات التغيير الديموغرافي على وحدة الدولة الوطنية السورية، وسبل وآليات مواجهة المخططات التركية للتغيير الديموغرافي في سوريا.

 أنماط التغيير الديموغرافى فى شمال سوريا

وتناول الدكتور أيمن زهري، خبير دراسات الهجرة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، فى ورقته التى طرحها بالندوة، أنماط التغيير الديموغرافى فى شمال سوريا، وقال إنه تم نزع 6 مليون نازح سوري ووضعهم في أماكن غير مناسبة، حيث لجأ 4 مليون سوري إلى تركيا ويتم الإتجار بهم تحت رحمة النظام التركي.

ونبه زهري إلى ضرورة مواجهة الوضع الحالي في سوريا من محاولة التغيير الديموغرافي، ورفع الأمر لجامعة الدول العربية لاتخاذ قرار حاسم في هذا الشأن.

وطرح الصحفي عاطف عبد الغني، مدير مجلة أكتوبر، عددًا من الأسئلة الكاشفة لعملية التغيير الحادث في سوريا، وبدأها بسؤال: هل التغيير الديموغرافى فى سوريا، موضوع سياسى أمنى؟!، أم موضوع إجتماعى إنسانى؟!، أم يتماهى فيه صراع المصالح السياسية، والأمنية، فينتج عن ذلك، تلك المآسى الإنسانية التى نراها فى صور اللاجئين السوريين، وأعمال التهجير القسرى، وتشتيت المدنيين ضحايا الحروب، وتشرذم العوائل والأسر، وتفرقهم، وضياعهم أحياء فى بلاد الغربة، أو أمواتًا فى رحلات الهروب برًا وبحرًا.

 

 

 

وأوضح عبد الغني أن هناك روايات تشير إلى أن نظم الحكم السورية المتعاقبة منذ عام 1949، التى تولت الحكم عبر الانقلابات المتعاقبة، وصولًا إلى نظام حكم آل الأسد مارست (أنظمة الحكم) التغيير الديموجرافى الداخلى، ومارسه بشار الأسد خلال السنوات الفائتة من الحرب لحماية الدولة ونظام الحكم، كما مارسته الحركات الإسلامية المقاتلة (مثل: تنظيم الدولة "داعش"، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، وجيش الإسلام) وكلها شاركت في التغيير الديموغرافي وفي ارتكاب مجازر طائفية في بعض المناطق، وتلك الممارسات يجب أن تُدان بنفس الشكل أيضًا.

ماذا يقول القانون الدولى فى القضية؟

وتناول الدكتور مختار غباشي، أستاذ القانون الدولي، والأمين العام للهيئة العلمية العليا لمركز الفارابي، قضية التغيير الديموغرافى فى سوريا من منظور أخر، قائلًا إن القضية من أعمق القضايا على النطاق الدولي والإقليمي، وإن ارتبطت بدول بعينها كسوريا، واليمن والعراق ولبنان وليبيا.

ولفت غباشى إلى أنه في كل مناطق الصراع والنفوذ يتم حدوث عملية تغيير ديموغرافي على أرض الواقع، لمصلحة طائفة معينة ضد طائفة أخرى، أو لهيمنة طائقة على طائقة أخرى.

وأكد أستاذ القانون أن إقليم شرق وشمال سوريا تمارس فيه أربع دول بجانب بعض المنظمات عملية تغيير ديموغرافي، وعلى رأس من يقوم بهذا التغيير لأسباب سياسية هي تركيا ثم يأتي من بعدها إيران، وربما يأتي من بعدها روسيا، ثم داعش أو بعض المنظمات كالجيش السوري الحر.

وأوضح غباشي أن التغيير الديموغرافي معلوم أسبابه وخاصة بين الإشارات للدول التي ذكرناها، حيث أن التغيير الديموغرافي يمثل تغيير هوية بعض المناطق، مشيراً إلى تدخل بعض الأطراف الدولية في هذا الموضوع، وان عملية التطبيع في سوريا ينوي إلى أمور معينة.

وفى مداخلة مهمة عقب المستشار جمال رشدي، المتحدث الرسمي بإسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، مؤكدًا أن أغلب الأطراف الموجودة في سوريا متورطة في حدوث تلك الأزمة، حيث أنها بدأت بالفعل منذ عام 2012، موضحًا أنه ليس هناك طرف برئ من هذه العملية، ولكن المسئولية تقع على عاتق النظام السوري بشكل كبير.

 

 

 

وأضاف رشدي أن عملية التهجير فى سوريا تضمنت ممارسات بالغة القوة ضد الإنسانية في عام 2017 – 2018، وبمساعدة أطراف إقليمية تم جلب سكان لديهم مخطط طائفي آخر.

وتابع: أغلب الصراعات الداخلية في المشرق العربي جاءت بسبب التغييرات الديموغرافية، والتغيير الذي يحدث في سوريا لم يقتصر تأثيره على سوريا فقط بل يمتد للمشرق العربي.

وأشار المتحدث الرسمي بإسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي بدأ أصله من التهجير القسري للمواطنين، وهي قضية مركزية من أصعب القضايا؛ لذلك فإن هذا الوضع يجعل ما حدث في سوريا من تغيير ديموغرافي يؤثر على الشرق الأوسط، هذا بجانب التدخلات التي يمارسها الطرفان في الدول العربية وخاصة الطرف الإيراني والتركي تعتمد على التلاعب بالمكونات الطائفية في دول لديها توجه طائفي معين.

وأكد رشدى أن الصراع في سوريا بالغ التعقيد حيث أن آثاره لمست الدول العربية، وتحميل جامعة الدول العربية كل هذه المسئولية ليس في محله، وهناك إجماع من الدول العربية على أن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة، والحل العسكري لن يكون دائما.

رئيس الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديموقراطى تكشف الحقائق

وفى مداخلة عبر "الفيديو كونفرانس" أوضحت إلهام أحمد، رئيس الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديموقراطى الأبعاد والتداعيات السياسية للتغيير الديموغرافى، كاشفة عن الأطراف المتورطة فى عملية التغيير الديموغرافى فى الداخل السورى، ومؤكدة على ثبات مبدأ الدولة الوطنية السورية، مع أهمية الحفاظ على خصوصية المعتقدات الدينية والعرقية، وحق التمثيل السياسى، للجميع وفقًا لمبدأ المساواة والعدالة السياسية.

 

 

 

وفى مداخلة أخرى قال السفير الدكتور يوسف الشرقاوي مساعد وزير الخارجية، سابقًا، ورئيس برنامج السياسة الخارجية والعلاقات الدولية بمركز الفارابى، إن الإرادة العربية يجب أن تكون إعادة بعث الوطن السوري، موضحا أن السوريين عبارة عن أطياف متعددة.

وأكد الشرقاوى تأثر مصر سلبًا بهذا التواجد، متسائلًا من وراء هذا التمويل، وأن استمرار الوضع في سوريا خطر وهناك هدف استراتيجي وخطة لتنفيذه، منوهاً بأهمية إعادة بعث سوريا إلى الوطن السوري.

الجانب الحقوقي في القضية

كما تداخل الحقوقى أيمن عقيل عبر "الفيديو كونفرانس" موضحًا الجوانب الحقوقية فى أزمة التغيير الديموغرافى التى تمارس على الشعب السورى، منتهكة حقوقه الإنسانية، والاجتماعية، بل السياسية.

وأشار السفير شريف شاهين، سفير مصر السابق فى العراق، إلى مأساة مماثلة عن عمليات التهجير، والتغيير الديموغرافى التى جرت فى العراق، وتداعياتها المختلفة.

وفي ذات السياق، قالت الدكتورة ليلى موسي، منسق ممثلية مجلس سوريا الديمقراطية بالقاهرة، إننا (فى سوريا) نفتقد للحوار الوطني، ولدينا معلومات البعض منها واقعية وصحيحة، مشيرة إلى أهمية الوصول لمخرجات تحل الأزمة السورية؛ نظراً لوجود كثير من الدلائل والشواهد تثبت خطورة عملية التغيير الديمغرافي.

 

 

 

‏وأضافت، نحن بحاجة إلى تغيير الجهود لمنع عملية التغيير الديمغرافي، والهدف الأساسي هو الحفاظ على الجغرافية والسيادة السورية، وأن بنية النظام شديدة المركزية وليس لديها أي مشكلة في التخلي عن الديموغرافية السورية.

‏وأوضحت "موسى" أن السوريين مؤمنين بأن الحل هو الوصول إلى الحوار السوري، ولكنهم يفتقدون القدرة على الاستقلالية، مؤكدة أن حل الأزمة السورية هو حل سياسي وليس حلًا عسكريًا، بالإضافة إلى الإيمان بدور جامعة الدول العربية.

التوصيات الختامية

وفى نهاية الندوة ألقي حامد محمود، المدير التنفيذي لمركز الفارابي البيان الختامي للندوة، وما خرجت به من توصيات أجملتها فى 6 توصيات كالتالى:

أولًا: الدعوة إلى إطلاق حوار سورى – سورى لبحث الأجندة الوطنية على أن يكون تحت مظلة جامعة الدول العربية.

ثانيًا: التأكيد على أهمية استعادة الدور العربى كحاضنة للقضية السورية، وداعمًا لوحدة الدولة الوطنية السورية.

ثالثًا: أهمية تضافر كافة الجهود السورية والعربية لمواجهة محاولات تغيير الواقع الديموغرافى السورى.

رابعًا: الدعوة إلى التأكيد على ثبات مبدأ الدولة الوطنية السورية، مع أهمية الحفاظ على خصوصية المعتقدات الدينية والعرقية، وحق التمثيل السياسى للجميع وفقًا لمبدأ المساواة والعدالة السياسية.

خامسًا: المطالبة بسرعة رحيل كافة القوات الأجنبية من الأراضى السورية.

سادسًا: إطلاق حملة علاقات عامة دولية لمجلس سوريا الديمقراطى لمعالجة ومواجهة الخطابات المغلوطة التى تحاول تشويه صورة المجلس وربطه بالخارج، ووضع خطاب إعلامى واضح لتوجهات المجلس وأهدافه الوطنية السورية.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.