أبعاد «حرب المسيّرات» التركية شمال وشرق سوريا

- 14 يناير 2024 - 443 قراءة

أنقرة أعلنت أنها تعتبر البنية التحتية "أهدافًا مشروعة" لعملياتها العسكرية في شمال وشرق سوريا

 

"المرصد السوري لحقوق الإنسان" يُحصي 30 استهدافًا بالمسيرات التركية لمناطق نفوذ الإدارة الذاتية

 

المراقبون: العدوان التركي يشكل انتهاكًا للاتفاقيات التي وقعتها أنقرة مع واشنطن وموسكو

 

 

تشهد مناطق شمال وشرق سوريا، خلال الآونة الأخيرة، تصعيدًا عسكريًا واسع النطاق وعدوانًا مستمرًا، من جانب القوات التركية، التي كثفت مؤخرًا ضرباتها بالمسيرات على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

واستهدفت مسيرة تركية نقطة عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية، في بلدة الجوادية (جل آغا) بريف القامشلي شمال الحسكة، دون ورود معلومات عن سقوط خسائر بشرية. وتزامن ذلك، مع استهداف مسيرة تركية لموقع آخر في قرية تل حبش جنوب.

وقصفت القوات التركية مدينة عين العرب (كوباني) شرق محافظة حلب، حيث نفذت 12 ضربة، أسفرت عن أعداد من الجرحى. كما قصفت القوات التركية وفصائل ما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة، بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون، قرية أبين - بينه التابعة لناحية شيراوا بريف عفرين ضمن مناطق انتشار قوات «قسد» والجيش السوري، ما أسفر عن سقوط جرحى.

وجاء التصعيد على المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بعد هجوم نفذه "حزب العمال الكردستاني" ضد موقع عسكري للجيش التركي في شمال العراق، أسفر عن مقتل 12 جنديًا.

وبينما نفذت بالفعل ضربات في شمال العراق، كانت تلك التي حدثت في شمال وشرق سوريا ذات صدى أشد وأعنف، إذ ضربت حقولًا نفطية تديرها "الإدارة الذاتية" التابعة لـ "قسد"، ومنشآت أخرى تصب جميعها في إطار إنتاج الطاقة.

وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن القصف طال منطقتي عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي والقامشلي بريف محافظة الحسكة، واستهدف محطة الكهرباء في حي ميسلون، محطة القطار وموقع تخزين المحروقات (سادكوب)، ومواقع أخرى. كما استهدف حقولًا نفطية تديرها "الإدارة الذاتية" أبرزها حقول "عودة" النفطي والسعيدة الواقع في ريف مدينة القامشلي.

 

تعطيل مظاهر الحياة

 

تشبه حملة القصف الجوية الأخيرة، تلك التي نفذها الجيش التركي في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بشمال وشرق سوريا، ردًا على الهجوم الذي نفذه "حزب العمال" أمام مبنى وزارة الداخلية في العاصمة أنقرة. وتتشابهان أيضًا بطبيعة المواقع التي يتم استهدافها، وهي في الغالب منشآت نفطية وأخرى تستخدمها "الإدارة الذاتية" الكردية.

وخلال الفترة من 5 إلى 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دمرت المسيّرات التركية مرافق خدمية ومنشآت حيوية تخص الشعب السوري في شمال شرقي سوريا، وطاول قصفها مخازن وقود وآبار بترول وآخر للغاز ومجمعات غلال ومحطات مياه وكهرباء. وعلى مدار الشهر، استمرت الغارات المتقطعة بالمسيرات، في حين أعلنت أنقرة أنها تعتبر البنية التحتية "أهدافًا مشروعة" لعملياتها العسكرية في شمال وشرق سوريا.

واعتبرت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" أن ما قامت به تركيا يعد هجومًا على الإدارة التي طالما كافحت للقضاء على الإرهاب، واسترداد الحكم في الأراضي التي دمرها تنظيم "داعش" الإرهابي.

أدت حرب المسيّرات التركية إلى تعطيل مظاهر الحياة في المناطق الكردية، وتدمير بنيتها التحتية بشكل عمدي، وتتسبب في قتل المدنيين. كما أن تلك الهجمات أجبرت "قسد" على التركيز على معالجة تداعياتها، وهو ما صرف الانتباه بعيدًا عن التدابير المستمرة التي تتخذها "قسد" في حربها ضد تنظيم "داعش".

واستهدفت الضربات التركية، موقعًا في حي علايا، وشركة الشمال في محيط الصوامع بحي قناة السويس، ومعمل الإسمنت على الحزام الشرقي ومطحنة في شرق مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.

وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بأن مستشفيات القامشلي وجهت بالتزامن مع القصف نداءات للأهالي للتبرع بالدم. وأحصى المرصد مقتل 6 أشخاص وإصابة 2 آخرين، باستهداف جوي لمسيرة تركية على موقع عسكري في قرية تل حبش جنوب عامودا بريف القامشلي.

واستهدفت الطائرات التركية نقطة عسكرية تابعة لـ«قسد» في بلدة الجوادية (جل آغا) بريف القامشلي. كما تعرضت قرية طويلة بريف تل تمر شمال غربي الحسكة للقصف. وبلغ عدد الضربات 9 ضربات خلفت 8 قتلى و5 مصابين.

ومع ذلك يكمن الاختلاف بالمحرك الذي دفع تركيا لشن هجمات جوية، إذ أطلقت الأولى بعدما أعلنت أجهزة الأمن لديها أن منفذي هجوم أنقرة تسللوا وعبروا من شمال سوريا. في حين جاءت الحملة الثانية، الحالية، بعد هجوم دام في شمال العراق، وهو ما يعتبره مراقبون غير اعتيادي، ولم يسبق أن حصل خلال السنوات الماضية.

وبالعودة إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي أعقاب هجوم أنقرة، وجه وزير خارجية تركيا، حقان فيدان رسالة تصعيدية أعلن فيها: "من الآن فصاعدًا، كل البنى التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة التابعة لتنظيم PKK الإرهابي في سوريا والعراق أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية والعسكرية والاستخبارية".

ومنذ تلك الفترة، تحولت الضربات الجوية التركية ضد "قسد" إلى مرحلة تصدرها استهداف منشآت الطاقة وحقول تكرير النفط الخام، ومحطات أخرى لتوليد الطاقة.

 

الحقد التركي الدفين

 

بالتوازي مع ذلك، واصل الجيش التركي الإعلان عن استهداف قادة كبار في "وحدات حماية الشعب"، عن طريق الطائرات المسيرة، أو "على يد عملاء ميدانيين"، كما تقول وسائل الإعلام المقربة من الحكومة التركية.

ويعتبر فريد سعدون، الأكاديمي والناشط السياسي المقيم في القامشلي، أن تركيز التصعيد التركي في شمال سوريا حاليًا يرتبط "بمحاولة ضرب استقرار المنطقة، ومن ثم ديمومة التمويل وطرق الإمداد والمسائل اللوجستية".

وقال "سعدون": "عندما يتم استهداف الجيش التركي في شمال العراق تبقى المنطقة شمالي سوريا مستقرة، ولذلك مسألة التمويل والإمدادات تبقى في مأمن".

ويشير الناشط السياسي سعدون، إلى أن "الجيش التركي يتقصد استهداف البنية التحتية ومنشآت الطاقة من كهرباء ونفط وغاز لسببين"، الأول يتعلق بعدم نيته التصادم مع الولايات المتحدة التي ترفض استهداف القواعد التي تتواجد بها قواتها . ويرتبط الثاني "بمحاولته تأزيم الوضع المأزوم في شمال وشرق سوريا"، وإثارة الشعب هناك ضد "الإدارة الذاتية".

وكان التصعيد الأخير، هو الأعنف من نوعه على المنشآت الاقتصادية ومنشآت الطاقة، وتحدث الأهالي في المنطقة عن ضرر بالغ، وخروج جميع محطات ضخ النفط وتجميع الغاز عن الخدمة.

في الوقت ذاته، استهدفت مسيرة تركية منزلًا في بلدة تل رفعت التي تنتشر بها قوات قسد وعناصر من القوات الحكومية السورية. ويعد هذا القصف هو الثاني على البلدة، خلال 24 ساعة، حيث أصيب مدني في قصف مسيرة تركية.

وأحصى «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، 30 استهدافًا بالمسيرات التركية لمناطق نفوذ الإدارة الذاتية (الكردية) في شمال وشمال شرقي سوريا، منذ بداية العام الحالي، أسفرت عن مقتل 49 شخصًا، وإصابة أكثر من 39 آخرين بجروح متفاوتة.

ونددت الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا، في بيان، بما وصفته «صمت التحالف الدولي والضامن الروسي» حيال القصف التركي المستمر على مناطقها. وقال البيان: «نرفض بشكلٍ تام هذه الجرائم وسط صمت التحالف الدولي والقوى الضامنة لوقف عملية إطلاق النار (عملية نبع السلام العسكرية التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2019)، ونحمل هذه الأطراف المسؤولية عن استمرار الهجمات التركية التي تزداد يومًا بعد يوم، مع دوام الصمت من قبلهم».

واعتبر البيان، أن هذا الموقف سيؤثر بشكل مباشر على النشاطات المشتركة بينهم، وأن "القصف التركي بهذا الحقد الدفين يتعارض مع جميع مساعي تحقيق الاستقرار وضبط البوصلة نحو مكافحة الإرهاب و"داعش" على وجه الخصوص.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- تركيا تواصل تصعيدها ضد «قسد» شمال سوريا وتعلن مقتل 12 من عناصره، موقع الشرق الأوسط، 30 يوليو/تموز 2023.

2- حرب المسيرات التركية تدمر البنية التحتية لـ"قسد" في شمال شرق سوريا وتحد من جهود مكافحة الإرهاب، موقع منتدى فكرة، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

3- "تصعيد عنيف" في شمال سوريا.. لماذا تركّز تركيا على ضرب المنشآت؟، موقع الحرة، 25 ديسمبر/كانون الأول 2023.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.