44 عامًا على الثورة.. حصاد الهشيم

- 9 مارس 2023 - 998 قراءة

• محمد رضا بهلوي في حوار صحفي: أيعتقد الناس أن أوضاعهم ستكون أفضل لو تسلّم الخميني الحكم؟!

 

• الإحصاءات الرسمية: 14% من الإيرانيين يقطنون في خيام.. وثلث سكان المدن الكبرى يعيشون في الأحياء الفقيرة

 

• المراقبون: ثورة عام 1979 مجرد "ثورة خاملة" لم تُحدث أي تغيير في العلاقات الطبقية داخل إيران

 

 

في حوار صحفي معه قبل أيام من سقوطه، قال شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي: "أيعتقد الناس أن أوضاعهم المعيشية ستكون أفضل لو تسلّم الخميني الحكم؟! ما هي الخطة الاقتصادية التي سيتمكن بفضلها من تحسين معيشتهم؟ أنا متأكد من أنهم سيخسرون كل ما أمكنهم تحصيله، وأن الخميني سوف يقود الشعب إلى الهلاك"!

ويبدو أن الشاه كان يستقرئ المستقبل بدقة، حين أدرك مبكرًا أن شعارات موسوي الخميني لن تعالج مشاكل إيران، حتى لو وصل إلى السلطة، بل ستزداد هذه المشاكل سوءًا، وستتفاقم الأوضاع في نهاية المطاف، وسط انتشار مظاهر الفقر والفساد والقمع في كافة أنحاء البلاد.

كان شاه إيران دقيقًا في توقعاته بخصوص مستقبل بلاده، حيث تسبب سياسات "الخميني" في إشعال الحروب الخارجية، وتعريض الإيرانيين لعقوبات اقتصادية قاسية وعزلة دولية لا مثيل لها، وخلق العداوات مع شعوب المنطقة العربية. بالإضافة إلى التراجع الاقتصادي والفساد السياسي والإداري والمالي ودعم الميليشيات والأنظمة القمعية في الشرق الأوسط.

وبعد 44 عامًا على قيامها، تبدو الثورة الإيرانية اليوم مثل قصة وعود مكسورة، وفرص ضائعة، وحكومات غير كفؤة، وتشكيك دائم في القوى الخارجية، وعداء مستحكم للجيران العرب الذين أيدوا الثورة في البداية، ثم سرعان ما تبيّنوا أنها تستهدف أمن وأمان بلادهم في المقام الأول. 

الدولة المنبوذة

بعد مرور كل هذه السنوات، لم تتم تلبية تطلّعات ملايين الإيرانيين الذين هبّوا ثائرين في وجه نظام الشاه عام 1979، سعيًا إلى تحقيق الازدهار والحرية، لكنهم حصلوا في نهاية المطاف على السلطوية بدلًا من الديمقراطية، وعلى الفساد والمحسوبية بدلًا من حكومة خاضعة إلى المساءلة والمحاسبة.

في بداية الأمر، زعم قادة ثورة عام 1979 أن الإطاحة بالملكية ستؤدّي إلى حرّية أكبر. غير أن الحماس والشعور بالتحرر الوجيزين بعد الثورة سرعان ما تلاشيا، وحلّت محلّهما "الفارسية" النظامية للدولة والمجتمع التي اعتمدها الحكّام الجدد. فبدا واضحًا في العقد الأوّل من عمر "التجربة الخمينية" أن تلك الديكتاتورية قد استُبدلت بديكتاتورية أخرى، أكثر وحشية.

وإلى ذلك، تم التضحية بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات، تحت شعار الدين. وبدلًا من السلام، حصل الناس في إيران على الحرب الإيرانية- العراقية المدمّرة التي دامت ثماني سنوات، وخلفت ملايين القتلى.

وعلى مستوى السياسة الخارجية، تم تبذير الأموال الطائلة التي كان يمكن إنفاقها لتحسين حياة الإيرانيين، على مغامرات غير محسوبة في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وعلى الفصائل الشيعية التي تدين بالولاء لنظام الملالي، وتدفع طهران لمنتسبيها رواتب شهرية بالدولار، بينما يواجه الإيرانيون الفقر والهوان في كل مكان داخل بلادهم.

ويؤكد المراقبون أن إيران باتت لاعبًا أساسيًا في الشرق الأوسط، بيد أنها لا تملك أي صديق فعلي إقليميًا أو دوليًا. وبعد أربعة وأربعين عامًا على الثورة، لاتزال إيران دولة منبوذة، سجينة خلف قضبان أيديولوجيتها وشعاراتها التأسيسية، التي ينبذها الجيل الشاب في البلاد حاليًا.

ولذلك، يقول الدكتور صادق زيبا كلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، "لو أجرت إيران استفتاءً حول الجمهورية الإسلامية اليوم، لعارضها أكثر من 70 في المئة. وتشمل هذه النسبة الأثرياءَ والأكاديميين ورجال الدين والمقيمين في الريف والمدينة، على حد سواء".

وبينما تنتفض أكثر من 280 مدينة إيرانية منذ أكثر من أربعة أشهر مِن أجل تغيير نظام الملالي، لم يشارك في المسيرات التي تم تنظيمها مؤخرًا، لإحياء ذكرى الإطاحة بنظام الشاه، قبل 44 عامًا، سوى مؤيدو النظام فقط، ومن ترتبط مصالحهم به، فضلًا عن المنتفعين من رجال الحكم.

نصف إيران الآخر

خلال العقود الأربعة الماضية، برز جدال حاد إزاء أداء إيران الاجتماعي والاقتصادي. ففيما ادّعى بعض المحللين أنه تم إحراز تقدم ملحوظ في ظل نظام الملالي، وصف بعضهم الآخر البلاد بأنها "غارقة في البؤس".

والحقيقة أن أغلبية الإيرانيين تعاني هشاشة اجتماعية اقتصادية لا مثيل لها في تاريخ البلاد الحديث، حيث تقول المصادر الرسمية ذاتها إن 12 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر المطلق، وإن 25 إلى 30 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر.

لكن التقديرات الحقيقية تشير إلى أن نحو ثلث الإيرانيين، و50 إلى 70 في المئة من العمّال، في خطر التراجع إلى ما دون خطّ الفقر. إذ يشير "مركز الإحصاء الإيراني" إلى أن 14 في المئة من الإيرانيين يقطنون في خيمٍ وثلث سكان المدن يعيشون في الأحياء الفقيرة.

كما أن ظروف المعيشة التي يعيش فيها ما سمّاهم عالم الأنثروبولوجيا شهرام خسروى بـ "نصف إيران الآخر"، أو فقراء الطبقة العاملة ملفتة للغاية، فقد تزايد عدد الإيرانيين المقيمين في الأحياء الفقيرة 17 ضعفًا، ولا يحظى 50 في المئة من القوى العاملة إلّا بعمل متقطّع، ويعاني حوالي 10 إلى 13 مليون إيراني إقصاءً كاملًا من برامج التأمين المعنية بالصحة أو العمل أو البطالة.

ومن الأسباب الأساسية لفشل نظام الملالي، النقص في توليد فرص العمل، مع ازدياد معدّل البطالة حتّى في خلال الطفرات النفطية. وتبقى معدّلات البطالة عالية، ولا سيّما بين الشباب وخرّيجي الجامعات والنساء. وبحسب الأرقام الرسمية، فإن حوالي ثمن الإيرانيين عاطل عن العمل.

وبين الشباب، تظهر الإحصاءات أن شابًا واحدًا من أصل أربعة عاطل عن العمل، لكن بعض التقديرات تؤكد أن البطالة تصل إلى 40 في المئة من حجم القوى العاملة في البلاد. وتضع هذه الأرقام معدّل البطالة في إيران بين المعدّلات الأعلى عالميًا.

وبعد الثورة، ظل الطابع الطبقي القديم للمجتمع الإيراني على حاله، ولم يتغير شيء، مع حلول طبقة حاكمة جديدة محل أخرى كانت مسيطرة خلال زمن الشاه، ولكن بتكوين اجتماعي مختلف.

هذا الوضع الغريب، انعكس في الرسوم الكاريكاتورية السياسية التي تنتجها الصحف المعارضة خارج البلاد، في شكل صور تُظهر استبدال تاج الشاه بعمامة الملالي لا أكثر. ودفعت هذه الاستمرارية ببعض الباحثين إلى تفسير ثورة عام 1979 على أنّها مجرد "ثورة خاملة" لم تُحدث أي تغيير في العلاقات الطبقية داخل إيران.

واليوم، يظهر التفاوت بين المداخيل بوضوح بين الناس، نظرًا إلى الاستعراض الباذخ للثروة والمحسوبية الذي يتبجّح به أنجال التابعين للنظام، الذين يلقبون بالأولاد المدلّلين والذين يراهم الإيرانيون في شوارع طهران

من جهة ثانية، واجهت الحركات التأسيسية في المجتمع المدني الإيراني، أي النساء والطلاب والعمال، قمعاً نظاميًا، ممّا قوّض قدراتها التنظيمية وجعلت المجتمع المدني في إيران ضعيفًا مقارنة بالدولة.

واستهدف قمع النظام أيضًا المنشقّين من مذاهب إيديولوجية متنوعة والأقليات غير الفارسية، والصحفيين. فباتت إيران اليوم من أوّل الدول في العالم لجهة سجن الصحفيين، وقد صنّفتها منظمة "مراسلون بلا حدود" في المرتبة 170 من أصل 180 دولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- بعد مرور أربعة عقود، هل وفت الثورة الإيرانية بوعودها؟ موقع مركز بروكنجز، 11 يوليو/تموز 2019.

2- ثورة إيران تذّكر بآخر أيام الشاه! موقع الشرق الأوسط، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.