في مفارقة غريبة، قالت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية إن جناح "الحرس الثوري" المشارك ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للدفاع البحري "ديمدكس 2022" الذي أقيم في العاصمة القطرية مؤخرًا، كان يقع بجوار جناح الشركة الأمريكية التي تنتج طائرات مسيرة، قتلت إحداها الجنرال قاسم سليماني!
ورأى المراقبون أن مشاركة "الحرس" في معرض قطر الدفاعي، في هذا التوقيت بالذات، لا يخلو من دلالات ومفارقات سياسية، لعل أبرزها حرص قطر الدائم على الظهور أمام الرأي العام العربي بسياسة متمايزة عن باقي محيطها الخليجي، وعدم اهتمامها بما سيولده هذا الحضور من حساسيات في المنطقة، مشيرين إلى أن الدوحة ترتبط بعلاقات وثيقة مع طهران، حيث لعبت قطر مؤخرًا دور الوسيط في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن المحتجزين، وهي تسعى لاستغلال علاقتها المتقدمة مع إيران لتعزيز دورها كـ "وسيط" يمكن للغرب الرهان عليه.
وترددت أنباء خلال الفترة الأخيرة، مفادها أن واشنطن تدرس رفع اسم "الحرس" من قائمة المنظمات الإرهابية، في مقابل الحصول على ضمانات إيرانية بـ "كبح" نشاط هذه القوات الخاصة التي تعد ذراع إيران الطويلة في المنطقة، وذلك ضمن آخر القضايا التي جرى بحثها في محادثات غير مباشرة في العاصمة النمساوية "فيينا"، لإعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
واعتبر المراقبون أن هذه المشاركة تندرج في سياق مساعي الدوحة لـ "إعادة تعويم إيران"، والتعامل مع هذه القوة العسكرية كأي قوة نظامية ممثلة لبلادها، بما يمهد لتنفيذ اشتراطات إيران خلال "مفاوضات فيينا" بشأن إزالة "الحرس الثوري" من "قوائم الإرهاب" الأمريكية، قبل التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
وفي بادرة اعتبرها المراقبون إعلانًا عن تراجع إدارة جو بايدن في قرارها بإزالة "الحرس" من "قوائم الإرهاب"، دخلت واشنطن على الخط، حيث أعربت وزارة الخارجية الأمريكية، عن خيبة أملها وأسفها لوجود مسؤولين عسكريين إيرانيين وضباط كبار من "الحرس" في المعرض القطري.
وأكدت الوزارة، أنها "تشعر بخيبة أمل وانزعاج عميقين من وجود مسؤولين عسكريين إيرانيين وضباط من الحرس الثوري الإيراني في معرض الدوحة للدفاع في قطر. نحن نرفض رفضًا قاطعًا وجودهم في المعرض، إذ إن إيران هي أكبر تهديد للاستقرار البحري في منطقة الخليج".
وقالت الخارجية الأمريكية في بيان لها إن المعاملات المتعلقة بالأسلحة الإيرانية عمومًا تخضع للعقوبات بموجب السلطات الأمريكية، بما في ذلك العقوبات المتعلقة بالإرهاب وأسلحة الدمار الشامل.
في المقابل، رد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، على الموقف الأمريكي، قائلًا إن "الحرس الثوري، باعتباره أحد أركان القوات العسكرية الإيرانية، وله دور رئيس في تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد، سيشارك بشكل فاعل في إظهار هذه الإنجازات"، داعيًا الولايات المتحدة إلى "الامتناع عن اتخاذ مواقف وتصرفات متوترة ومواصلة توجيه الاتهامات، لاستقرار المنطقة".
نفى مسؤول قطري في تصريحات لوكالة "رويترز" أن تكون الدوحة وجهت دعوة رسمية لـ "الحرس" الإيراني من أجل حضور المعرض، موضحًا أن المشاركة في المعرض والجناح كانت من خلال وزارة الدفاع الإيرانية، وأنه لم يتم توجيه دعوات لـ "الحرس"، الذي فوجئ منظمو المعرض بحضوره دون دعوة!
ولم يظهر الجناح الإيراني على خريطة المعرض المنشورة في شبكة الإنترنت، ما فسره المراقبون بأن بعض قطاعات وزارة الدفاع الإيرانية وقوات "الحرس" بالذات، لا تزال تخضع لعقوبات أمريكية بسبب الاشتباه في تجارة أسلحة غير مشروعة، حيث ينظر إلى هذه القوات على نطاق واسع باعتبارها شريكًا في هذه التجارة المحتملة، نظرًا لتصنيف "الحرس" كجماعة إرهابية من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فضلًا عن سمعته العالمية السيئة بسبب تدخّله في النزاعات الإقليمية، والعقوبات المفروضة على برامج الصواريخ الباليستية، وانتهاكات حقوق الإنسان.
ويعد معرض " ديمدكس" في قطر، أول منفذ لإيران في ثوب دولي منذ عدة أعوام، للكشف عما عملت عليه في صناعاتها التسليحية، حيث لم تشارك إيران في المعارض الدولية منذ عدة سنوات. وقدمت إيران خلال المعرض لأول مرة نموذجًا مصغرًا لبطارية من نظام الدفاع الجوي بعيد المدى "AD-200" الذي تم تطويره من قبل صناعة الدفاع الإيرانية.
وأثارت مشاركة "الحرس" في المعرض القطري غضبًا على وسائل التواصل الاجتماعي في دول الخليج العربي، وعكست هذه المواقع إحباط الرأي العام تجاه الدوحة بشأن مدى التزامها بثوابت الأمن الخليجي والعربي، وذلك عندما تصدرّت صورة كبيرة لإيران والخليج العربي مدونًا عليه "خليج فارس".
من جانبها، طالبت منظمة أمريكية إدارة بايدن بـ "محاسبة قطر" على حضور قادة الحرس الثوري في معرض الدوحة للمعدات العسكري. وقالت منظمة "متحدون ضدّ إيران النووية"، في بيان لها: "إنّ خطوة الدوحة لـ "إضفاء الشرعية" على الحرس الثوري تستحق ردًّا أكثر حسمًا بكثير من "مجرد الأسف"، في إشارة إلى إعراب وزارة الخارجية الأمريكية عن أسفها لخطوة قطر.
وأکدت المنظمة أنه يتعيّن على وزارة الخارجية الأمريكية استدعاء السفير القطري لدى واشنطن، وأن تفرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضدّ المسؤولين القطريين الذين يتعاملون مع "الحرس الثوري". وأعربت المنظمة عن أسفها لإعلان حكومة بايدن عن قطر حليفًا من خارج الناتو في المنطقة قبل أقل من ثلاثة أسابيع، مشيرة إلى أن إشراك "الحرس الثوري" في معرض عسكري لا يفعله أيّ حليف للولايات المتحدة.
وجاء في البيان: بينما تشتهر إيران بـ "المراقبة والسرقة من الشركات الأجنبية" لإلحاق الأذى بها، أقام منظّمو معرض الدوحة جناحًا لإيران إلى جانب شركة جنرال أتوميكس الأمريكية".
ولم تتوان إيران عن "الكيد السياسي" للولايات المتحدة في هذه الواقعة، حيث ذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إيسنا"، أن إيران عرضت في معرض الدوحة عدة نماذج من الطائرات والصواريخ وغيرهما من المعدات العسكرية، موضحة أن الجناح الإيراني يقع بجوار جناح شركة "جنرال أتوميكس" الأمريكية، التي تنتج طائرات مسيرة من طراز "إم.كيو- 9بي" اغتالت بها واشنطن القائد السابق لـ "فيلق القدس"، الجنرال قاسم سليماني.
وظهر قادة "الحرس" الذين حضروا المعرض أمام الكاميرات، وهم يحتسون الشاي ويتناولون التمر خلال عرضهم نماذج من صواريخ إيرانية. ولكنهم امتنعوا عن التحدث إلى وسائل الإعلام الأجنبية، وتجمع بعضهم في الجناح الإيراني الذي حمل ملصقًا ضخمًا لزورق سريع يضم أفرادًا من القوات الخاصة، وتفقد البعض الآخر أرض المعرض. والتقطوا صورًا بهواتفهم الخاصة لناقلة جنود إيطالية مصفحة، وتفقدوا بنادق آلية تركية، وبدا أنهم تعمدوا المرور أمام المجموعة المحيطة بقائد الأسطول الخامس الأمريكي!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية