فضيحة فساد بقيمة «ملياري دولار» تضرب إيران

- 23 يناير 2024 - 511 قراءة

هيئة التفتيش: شركة خاصة حصلت على 3.3 مليارات دولار لاستيراد شاي "هندي" واستوردت "الكيني"

 

النائب حشمت الله فلاحت‌ پیشه: حالات فساد كبيرة تظهر بشكل شهري... وحجم الفساد في إيران 57 مليار دولار

 

"منظمة الشفافية الدولية": إيران تحتل المرتبة 147 بين 180 دولة من حيث حجم الفساد المالي

 

 

طفت على السطح في إيران، مؤخرًا، فضيحة فساد جديدة بقيمة ملياري دولار، في مجال استيراد الشاي، حيث كشفت التحقيقات أن إحدى الشركات الخاصة المسماة "دِبْش" تلقت خلال الفترة من 2019 إلى 2022 عملات أجنبية من الحكومة بغرض استيراد شاي وآلات، بقيمة 3 مليارات و370 مليون دولار.

وكشف الإعلام المحلي، أنه خلال السنوات الماضية تمكنت "دبش" من استيراد الشاي، لحساب وزارات الزراعة والأمن والاقتصاد، ومؤسسات حكومية أخرى مثل البنك المركزي والجمارك ومنظمة تنمية التجارة وهيئة المواصفات والمقاييس.

وتداول الإعلام الإيراني غير الحكومي، مؤخرًا، تقارير جاء فيها أن "دبش" تمكنت من بيع الشاي الذي يبلغ سعره دولارين بسعر يتراوح بين 14 و20 دولارًا للكيلو، وحققت بذلك ربحًا متوسطًا قدره 15 دولارًا للكيلو الواحد.

وحصلت "دبش" على الدولار بالسعر الحكومي لترميم أجهزة في خط إنتاجها، كما أنها حصلت على قروض كبيرة من البنوك الإيرانية بصفتها شركة استيراد، في وقت لم يتمكن فيه المنتجون المحليون من الحصول على أي من هذه التسهيلات والقروض من البنوك الإيرانية.

قال ذبيح الله خدائيان، رئيس هيئة التفتيش الإيرانية، في تصريحات إعلامية، أن كمية الشاي المطلوبة في البلاد نحو 100 ألف طن سنويًا، منها نحو 70% مستوردة، وفي حين تعمل نحو 100 شركة صناعية وتجارية في استيراد الشاي، فإن معظم الواردات تتم بواسطة شركة واحدة فقط هي "دبش".

وأضاف خدائيان، أنه منذ بداية عام 2019 وحتى نهاية 2022 حصلت "دبش" على نحو 3 مليارات و370 مليون دولار من النقد الأجنبي (من البنك المركزي) لاستيراد الشاي وآلات الطباعة والتعبئة المتطورة، مشيرًا إلى أنه خلال هذه الفترة، تم رصد 79% من النقد الأجنبي لاستيراد الشاي وتم تخصيصه لهذه الشركة.

وأوضح أنه بينما قامت هذه الشركة بتسجيل طلب لاستيراد "شاي هندي" درجة أولى بقيمة 14 دولارًا للكيلو الواحد، فإنها استوردت "الشاي الكيني" من الدرجة الثانية، بقيمة حوالي دولارين للكيلو.

وأشار رئيس هيئة التفتيش، إلى مخالفة أخرى لـ "دبش" في طريقة تخليص البضائع، وقال إن الطريقة التي تمت بها تخليص بضائع هذه الشركة من الجمارك، كان بالأساس من خلال وضع "علامة" على الصنف، وتخليص البضاعة وإدخالها إلى البلاد دون إجراء أي فحص لها، في حين أن استيراد الشاي يتطلب فحوصات من مؤسسات حكومية للتأكد من الجودة.

وتعليقًا على ذلك، قال الدكتور آيزاك سعيديان، الأكاديمي الإيراني، أن قضايا الفساد المالي في البلاد، على غرار قضية استيراد الشاي، تتعلق بتعدد الأسعار للدولار داخل البلد، فقد شهدت إيران في ظل هذه السياسة استيراد بضائع بالسعر الرسمي للدولار، وعرضها بالسوق وبيعها بناء على سعر السوق السوداء للدولار، الذي يكون أضعاف السعر الحكومي.

وفي قضية استيراد الشاي، هناك أكثر من إشكالية مثل استخدام السعر الحكومي لاستيراد البضائع واستيراد الشركة كمية من الشاي بجودة أقل، وسعر أقل بكثير.

والحقيقة أنّ قضية فساد الشاي هي مجرد قضية واحدة، ضمن سلسلة طويلة مُتتالية من عمليات الفساد المالي المليارية، خلال عقودٍ من عمر الجمهورية الإيرانية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر قضايا فساد وقعت في عهد أحمدي نجاد، مثل عمولات بمليارات الدولارات لرجل الأعمال بابك زنجاني لتصدير النفط، وقضية مجموعة مساكن "شانديز" في مجال العقارات، وتنامي تورط الحرس الثوري بالتهرب الجمركي والتجاري حتى وصفهم نجاد بـ "الأخوة المهرّبين" مع سيطرتهم على موانئ ومطارات حساسة في البلاد، وقضية الرواتب الفلكية في عهد روحاني، وغيرها الكثير من القضايا. والتي كان لها انعكاسات سلبية بالتأكيد على بيئة الأعمال الخاصة والاستثمارات في إيران، والتسبب في تكاليف اقتصادية باهظة.

ووجَّه مهدي نصيري، المدير الإداري السابق لصحيفة "كيهان"، أصابع الاتهام إلى "جهات عليا" بخصوص قضية فساد الشاي قائلًا: "إن الفساد الهائل الأخير في الشاي لم يكن ليحدث لولا التدخل والضغط والتأثير المباشر أو غير المباشر، من قِبل المؤسسات الاستخبارية والقضائية التابعة والمُعينة من قِبل المؤسسة القيادية، والتي تمتلك كل الصلاحيات في هذه المؤسسة".

ويرجِّح التصور السابق، ما أظهره أحدث تقرير لـ "منظمة الشفافية الدولية"، الصادر مؤخرًا، من احتلال إيران لمرتبةٍ متدنّية عالميًا في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن المنظمة، بترتيب 147 بين 180 دولة من حيث حجم الفساد المالي، بجانب كل من أوغندا وأفغانستان.

وفي مناقشة حول الفساد الاقتصادي عميق الجذور داخل النظام الإيراني، أكد النائب السابق حشمت الله فلاحت‌ پیشه، العضو السابق في لجنة الأمن في البرلمان، على "التردد المثير للقلق لحالات الفساد الكبيرة التي تظهر بشكل شهري".

وأكد فلاحت ‌پیشه، على مدى هائل للفساد الاقتصادي في إيران، حيث قدره بأكثر من 57 مليار دولار. ولتوضيح هذا الرقم، لفت الانتباه إلى أنه يتساوى مع مبلغ القرض الكامل الذي حصلت عليه كوريا الجنوبية من صندوق النقد الدولي، والذي جعلها تصعد إلى قائمة أكبر 10 اقتصادات في العالم.

وربط فلاحت ‌پیشه، بين الارتفاع في حالات الفساد الاقتصادي بشكل كبير وتآكل "مبدأ الاستحقاق" في السلطات الثلاث للحكومة. وأشار إلى فضيحة فساد الشاي "ديبش"، كدليل على تشغيل المسؤولين خارج نطاق الرقابة والتفتيش، مما يسهم في إيجاد منصة ملائمة للفساد.

وانتقد النائب السابق في البرلمان الإيراني، السلطات لتجاهلها للقضايا النظامية، حيث أكد أن "إنكار العيوب في الحالة الحالية سيؤدي فقط إلى تفاقم المشكلات، مما يقود البلاد إلى دورة تدميرية تعيق التنمية.

وحذر فلاحت ‌پیشه، من تشكيل نخبة سياسية داخل النظام. وأعرب عن قلقه من أن هذه النخبة، عند تجاوزها للمؤسسات البرلمانية والرقابية، تعزز الصلة بين السلطة والثروة، مما يزيد من الفساد.

ذلك، مع ملاحظة أن الرقم البالغ 57 مليار دولار الذي ذكره فلاحت‌ پیشه، تقدير متفائل، في ظل التقارير من بعض وسائل الإعلام الإيرانية التي أفصحت عن 12 حالة كبيرة للفساد الاقتصادي من عام 2010 إلى عام 2022، بإجمالي قدره 94 مليار دولار.

مع ذلك، يؤكد المحللون الاقتصاديون، أنه يتعين الاعتراف بأن هذا الرقم يمثل فقط جزءًا صغيرًا من حالات الفساد التي تم الكشف عنها داخل الهيكل الاقتصادي للنظام على مدى السنوات الـ 12 الماضية، حيث تظل العديد منها مخفية في الطبقات المعقدة لمؤسسات الأمانة والجيش والهيكل التنفيذي للنظام.

وعلاوة على ذلك، تظل بعض الحالات مخفية بسبب وقوعها في مؤسسات تتعلق بمكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، والشركات التي تخضع لإشرافه المباشر. وبالتالي، لا يمتلك أي فرد أو مؤسسة القدرة على التحقيق في هذه الحالات. لذلك، من الضروري الاعتراف بأن حالات الفساد مثل فضيحة الشاي "ديبش"، ليست بالضرورة هي الحالات الأكثر أهمية ضمن هذا النظام.

وعلى الرغم من أن خامنئي، يتظاهر بأنه "معارض" للفساد بين مسؤولي البلاد، إلا أن الذي يدفعه القلق إزاء ردود الفعل العامة واحتمالات الاحتجاجات المحتملة، وجد نفسه مضطرًا في عدة مناسبات في السنوات الأخيرة إلى حث وضغط مسؤولي النظام على عدم حسم هذه القضايا بسرعة، بهدف التستر على الفساد الحكومي.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- الفساد المالي في إيران.. قضايا متجددة وتبعات وخيمة، موقع معهد رصانة، 12 ديسمبر/كانون الأول 2023.

2- كيف كشفت صفقة شاي عن فساد مالي بالمليارات في إيران؟ موقع الجزيرة نت، 31 ديسمبر/كانون الأول 2023.

3- نظرة شاملة على أزمة الفساد في إيران، موقع منظمة مجاهدي خلق، 23 ديسمبر/كانون الأول 2023.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.