تحرير أوجلان يُزيل "أفخاخ السلام" مع تركيا

- 20 يونيو 2025 - 6 قراءة

الإفراج عن الزعيم الكردي مطلب لا ينتظره الكرد والأتراك فحسب... بل كل شعوب الشرق الأوسط

 

إطلاق سراح القائد الأسير هو الخطوة الأولى لتحقيق مبادرة السلام التي أطلقها النائب دولت بهشلي

 

في آخر رسالة له من سجن إمرالي التركي، قال القائد عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، إن هناك حاجة إلى "تحول كبير" لإصلاح العلاقات بين تركيا والمكوّن الكردي في البلاد، بعد القرار التاريخي الذي اتخذه الحزب بحلّ نفسه وتسليم السلاح.

قال أوجلان، الزعيم الأسير البالغ 76 عامًا، في رسالته: "ما نقوم به ينطوي على تحول كبير. والعلاقة التركية- الكردية أشبه بعلاقة أخوية مقطوعة. يتقاتل الإخوة والأخوات، لكنهم لا يستطيعون العيش بعضهم من دون بعض"، داعيًا إلى ضرورة "إزالة كل الأفخاخ وحقول الألغام التي تفسد هذه العلاقة، وإصلاح الطرق والجسور المقطوعة".

رسالة أوجلان الجديدة، نقلها وفد من حزب "المساواة وديموقراطية الشعوب"، الذي زار سجن جزيرة إمرالي قرب إسطنبول مؤخرًا. وكانت هذه الزيارة الأولى له، منذ إعلان حل الحزب وإلقاء السلاح في الثاني عشر من الشهر الحالي، سعيًا إلى وضع حدٍّ للصراع الدامي الذي بدأ عام 1984، وأسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص.

وفي الوقت الذي رحبت فيه النخبة السياسية التركية بإعلان الحزب، الذي يؤشر إلى نهاية حقبة، وبدء مرحلة جديدة عنوانها السلام، طرحت تساؤلات حول مصير أوجلان، خصوصًا وأن هذا الزعيم لا يزال يتمتع بالحضور والسطوة لدى رفاق الأمس، ولا زال مناصرو الحزب يرفعون صوره في احتفالاتهم وأنشطتهم.

وما يثبت حضور القائد أوجلان، ومدى تأثيره في الحزب، رغم سجنه وغيابه الطويل، هو أن حل الحزب جاء بتوصيات مباشرة منه، بعد أن شارك عبر الهاتف في مؤتمر الحزب الذي عُقد مؤخرًا، وتم فيه اتخاذ القرارات التي أعلن عنها منتصف هذا الشهر.

ويرى المراقبون، أن مشاركة أوجلان في المؤتمر، وإن عبر الهاتف، تعبر عن تحول في الذهنية التركية المتشددة حيال الحزب ورموزه، ذلك أن القوانين التركية لا تسمح بإجراء مثل هذه المكالمات للمحكومين بالسجن مدى الحياة في جرائم تتعلق بـ "الإرهاب"، كما هو الحال بالنسبة لأوجلان، وفق الرواية الرسمية التركية.

وتؤكد استجابة الحزب السريعة، أن الزعيم الكردي الأسير هو القائد الحقيقي لعملية السلام الجارية مع تركيا، وأنه يفهم جيدًا السبب في تردي هذه العلاقة، ففي ندائه الأول الذي أطلقه في 27 فبراير/ شباط الماضي، والذي عنوّنه بـ «دعوة إلى السلام ومجتمع ديمقراطي»، تحدث عن عوامل أدت إلى تفتيت وحدة الأتراك والكرد، قائلًا إن «الحداثة الرأسمالية استهدفت خلال القرنين الماضيين تفتيت هذا التحالف».

ولا جدال، أن أوجلان هو الوحيد القادر على قيادة عملية السلام المنتظرة مع تركيا، نظرًا لمكانته التاريخية كزعيم أممي كرّس حياته للدفاع عن حقوق كل الشعوب المستضعفة، وليس الكرد فحسب، فضلًا عن تاريخه النضالي الطويل على مدار أكثر من نصف قرن، قضى منها أكثر من 26 عامًا داخل محبسه معزولًا عن العالم.

غير أن هذا الاعتقال المستمر لمدة ربع قرن لم ينل من مكانته، بل عزّزها، ولم يمنعه من التفكير والإبداع في قضايا الشرق الأوسط كافة، بدءًا من تحرير الشعوب حتى تحرير المرأة، وإطلاق النداء تلو النداء من أجل التوصل إلى حلّ نهائي للقضية الكردية العادلة.

أوجلان... "الحق في الأمل"

بينما اختار "حزب العمال" أوجلان مفاوضًا، داعيًا إلى إطلاق سراحه أو على الأقل تخفيف ظروف اعتقاله، لكي يتمكن من قيادة عملية السلام، تسود حالة من الترقب الحذر الأوساط الكردية الفاعلة على الساحة التركية، انتظارًا لما ستتخذه حكومة رجب أردوغان من قرارات تخص تعاملاتها المستقبلية مع قيادات الحزب، والوقوف على مدى استجابتها وتفاعلها مع قرار الحزب حل نفسه، وتسليم سلاحه، وتفكيك بنيته وهيكله العسكري والإداري بالكامل.

سبب الترقب الحذر، الذي يشعر به كرد تركيا حاليًا، هو الخوف من احتمال انهيار المبادرة، والعودة إلى المربع الأول في ظل الغموض الذي يكتنف الوضع الراهن، نتيجة تباطؤ الحكومة في الإعلان عن خطواتها المقابلة التي تزمع القيام بها للرد على قرارات "العمال الكردستاني"، التي اتخذها دون المطالبة بالحصول على أي ضمانات سواء محلية أو دولية، كبادرة حسن نية من جانبه، ولتحقيق الهدف الذي من نداء أوجلان التاريخي للسلام.

قرارات الحزب، أوضحت - بجلاء- أنه يرغب في الجنوح إلى السلم، وطيّ صفحة الماضي، وتحقيق الأمن، والوصول إلى مجتمع ديمقراطي، متعدد الأعراق، ينعم فيه الجميع بالعدل والمساواة، والانخراط في عملية سياسية تفضي إلى دمج عناصره البالغ عددهم 50 ألف مقاتل ضمن مكونات المجتمع التركي وصولًا إلى العيش في ظل سلام اجتماعي لا يعكر صفوه شيء.

لكن الرياح في تركيا لا تأتي بما تشتهي السفن، فبدلًا من إعلان حكومة أردوغان عن قراراتها وخطواتها المستقبلية المرتبطة بهذه المسألة، وأولها الإفراج عن أوجلان، وهي القرارات التي ينتظرها الأتراك بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم العرقية، يرفض أردوغان بشكل قاطع مسألة الإفراج عن أوجلان، وهو الأمر الذي من شأنه أن يكون الخطوة الأولى في إزالة "أفخاخ السلام".

ويحق لنا، هنا، أن نتساءل: ألا يرتكز مطلب الإفراج عن أوجلان، على ما أدلى به النائب البرلماني دولت بهشلي، حليف أردوغان، حينما أعلن مبادرته، وأشار صراحة فيها إلى إمكانية منح أوجلان "الحق في الأمل"، والفرصة لإلقاء خطاب في البرلمان أمام المجموعة البرلمانية لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، مع إمكانية الإفراج عنه حال استجابته لمبادرة تركيا خالية من الإرهاب، والمساعدة في وضعها موضع التنفيذ؟

تحرير القائد "مطلب المرحلة"

رغم رفض أردوغان إطلاق سراح أوجلان، فإن القيادات الكردية تتمسك بتصريح بهشلي، وتطالب حاليًا بضرورة تحسين ظروف العزل التي يعيش فيها، ومنحه حرية الحركة والعمل، باعتباره الزعيم الذي سيرأس قيادة عملية التفاوض بين العمال الكردستاني والحكومة التركية.

يأتي ذلك، فيما يستعد وفد من حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" للذهاب إلى جزيرة إمرالي قريبًا، بهدف التشاور معه، لفهم هذه المرحلة وتفسيرها، وتنظيم الحراك الكردي بشكل أفضل. ومن المحتمل أيضًا أن يجري أوجلان اجتماعات أخرى مع ممثلي أحزاب سياسية أخرى في الأيام المقبلة.

لقد طلب أوجلان بنفسه، من زواره، أن يجري اجتماعات مع عدد من القادة والشخصيات الكردية البارزة، منهم مسعود بارزاني، ونيجرفان بارزاني، ومظلوم عبدي، وبافل طالباني. فهو يريد عقد هذه الاجتماعات، ومشاركة ذلك مع الرأي العام التركي. وهو أمر ضروري لعملية السلام في المستقبل.

أخيرًا، وليس آخرًا، فإن العزلة المفروضة على القائد عبد الله أوجلان تعكس موقف الدولة التركية السلبي من الشعب الكردي، إذ تسعى إلى عزله بسبب تأثيره السياسي والاجتماعي، في وقت أظهر فيه التزامًا واضحًا بالحل السلمي للقضية الكردية.

وتؤكد "كردستان"، في هذا المقام، أنه ينبغي على السلطات التركية إطلاق سراح القائد أوجلان فورًا من محبسه إمرالي، خصوصًا الإفراج عن الزعيم الكردي هو "مطلب المرحلة" الذي لا ينتظره الكرد والأتراك فحسب، بل كل شعوب الشرق الأوسط.

 

*رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.