أطفال اليمن على الجبهة.. «جريمة حرب» مزدوجة

- 1 أكتوبر 2022 - 521 قراءة

• الانقلابيون دفعوا بـ 43 ألف طفل إلى مختلف جبهات القتال على مدار السنوات الثماني الماضية

• الأمم المتحدة: تجنيد "الحوثيين" آلاف الأطفال في اليمن "جريمة مكتملة الأركان" ضد الإنسانية

• وكالة "أسوشيتد برس": جماعة الحوثي تواصل تجنيد الأطفال في صفوف المقاتلين رغم الهدنة الأممية

• تجنيد الأطفال "جناية عظمى" يرتكبها عملاء إيران لأنها جريمة ضد حاضر البلاد ومستقبلها معًا

 

 

أدى انحسار رقعة سيطرة ميليشيات "الحوثي" الإرهابية على الأراضي اليمنية، خلال السنوات الماضية، وخسارتها المزيد من المقاتلين، إلى بروز ظاهرة خطيرة على الساحة، وهي "تجنيد الأطفال" دون سن الثامنة عشرة، والزج طوعًا أو كرهًا بهم إلى جبهات القتال المشتعلة.

وكشف تقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس" الإخبارية في يونيو/حزيران الماضي 2022، عن أن ميليشيات الحوثي تواصل تجنيد الأطفال في صفوف المقاتلين، رغم الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة في أبريل/نيسان الماضي، موضحًا أنه "تم نشر المجندين من الأطفال، بعضهم بعمر أقل من عشر سنوات، على خطوط المواجهة".

وأكد معمر الإرياني، وزير الإعلام اليمني في تغريدات على صفحته بموقع "تويتر"، في يونيو/حزيران الماضي، أن ميليشيا الحوثي الإرهابية تواصل تجنيد الأطفال تحت غطاء ما تسميها "المراكز الصيفية" تحضيرًا للزج بهم في مختلف جبهات القتال في ظل الهدنة الأممية، وردًا على مساعي التهدئة وإنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد.

وتأتي حملة التجنيد الحوثية الأخيرة لتعويض خسائرها البشرية الكبيرة، بعد تكرار محاولاتها الفاشلة للسيطرة على مدينة مأرب طوال ما يقارب عامين، وهي بذلك تعد العدة لجولة جديدة من الصراع والعنف وسفك الدماء، وتجعل من الأطفال وقودًا لمعاركها العبثية، رغم أن القانون الدولي الإنساني يحظر تجنيد الأطفال، ويعد ذلك "جريمة حرب".

وفي دليل إضافي على استمرار الميليشيا في تجنيد الأطفال وتعبئتهم بالأفكار الطائفية التي تهدد النسيج الاجتماعي اليمني، نشر القيادي الحوثي، محمد البخيتي، الذي يشغل منصب محافظ محافظة ذمار، في مطلع يونيو/حزيران الماضي، مقطع فيديو من زيارة قام بها إلى أحد المعسكرات بمحافظة ذمار، ويظهر من خلاله مئات الأطفال في الزي العسكري يقفون في تشكيل صباحي يشبه الطابور العسكري، ويعلنون ولاءهم لقائد الميليشيا، عبد الملك الحوثي، وهم يصرخون: "نحن جنود الله"، و"نحن قادمون".

 

صغار في آتون الحرب

تُعد قضية تجنيد الأطفال بكل المقاييس "جريمة مزدوجة" يرتكبها عملاء إيران، لأنها جريمة ضد حاضر البلاد ومستقبلها معًا. كما أن توسع نطاق انتشار هذه الظاهرة الإجرامية بشكل مخيف خلال السنوات الماضية، يكشف الستار عن أن أضرار إشراك الأطفال في النزاع المسلح، تمتد لتشمل انتهاك حقوق الإنسان الأساسية، والإصابات المؤدية للإعاقة بأنواعها، إلى جانب أن الأضرار الأخرى المعنوية والنفسية والجروح الغائرة في قلب وروح "الطفل الجندي" لا تؤثر على حاضر الطفل فقط، وإنما على استقراره النفسي في المستقبل أيضًا، وهو ما يعني "تفخيخ مستقبل اليمن" بمعنى الكلمة.

وذكرت مصادر في الحكومة الشرعية أن نحو 70% من قوام ميليشيات الحوثي الانقلابية، هم من الأطفال، في وقت تتزايد الأصوات المنددة بتجنيد الميليشيات للأطفال والدفع بهم إلى محرقة الحرب وجبهات القتال.

ومن جانبها، كشفت منظمات حقوقية يمنية عن أن الانقلابيين يستخدمون جملة من الأساليب لتجنيد الأطفال، منها الترغيب بمرتبات شهرية، في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعيشها اليمن جراء الحرب، وأيضا الترهيب بسجن أولياء الأمور الذين لا يرسلون أبناءهم إلى معسكرات الميليشيات، إلى جانب استخدام الميليشيات للوجاهات الاجتماعية المحلية الموالية لهم، من أجل الضغط على أسر الأطفال لتجنيدهم.

من جهة ثانية، ساعد التردّي الكبير للوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة الحوثيين، على ازدياد ظاهرة تجنيد الأطفال؛ إذ تعمد كثير من الأسر إلى الموافقة على تجنيد أطفالها للحصول على عائد مادي حتى لو كان ضئيلًا؛ ليُعينها على تلبية بعض احتياجاتها المعيشية، ولا سيما بعد ارتفاع الأسعار، وانقطاع المرتبات عن المدنيين والعسكريين لسنوات، في حين لا تعلم بعض الأُسر أيّ شيء عن تجنيد أطفالها إلا بعد عودتهم إلى منازلهم جُثثًا هامدة، أو بعد إصابتهم في جبهات القتال.

وبجانب إغراء أطفال القبائل بالسلاح الذي يجد حفاوة كبيرة في ثقافتهم القبلية، يتم استغلال فقرهم أسوأ استغلال، حيث يجري استغفال وخداع كثيرين منهم بأن مهماتهم لوجستية فقط في غير ساحات القتال، وفجأة يجدون أنفسهم يقاتلون بعد تدريب يدوم أياما قليلة، مع تهديد من يتراجع بالإعدام دون محاكمة.

ويرغم الحوثيون في أكثر من منطقة يمنية الأسر على تجنيد أطفالها، والتي ترفض يتم الضغط عليها لسداد مبلغ مالي يقدر بـ 100 ألف ريال للجماعة. ولأنهم يدركون أن الأسر في شمال اليمن معظمها فقيرة لاسيما في الحديدة وحجة، فإن هذه الأسر ترضخ لتجنيد أطفالها في هذه الحالة.

وباتت أساليب الترغيب والترهيب لا تجدي نفعًا فيما يبدو، ما دفع قادة الانقلاب إلى اللجوء للمدارس والجامعات، للانتقاء من بين طلابها من تزج بهم في محرقة أطماع عبد الملك الحوثي، ومن ورائه ملالي طهران، وهو ما ترفضه القبائل اليمنية في صنعاء والمحافظات المحيطة بها.

 

القتال "طوعًا أو كرهًا"

ذكرت منظمة "سلام بلا حدود" الدولية ومقرها باريس في تقرير لها مؤخرًا، أن "المعلومات القادمة من داخل اليمن تشير إلى ارتفاع أعداد الأطفال ممن تجبرهم جماعة الحوثي على حمل السلاح، ويُقدر عددهم بـ 43 ألف طفل، وأحيانًا ما تكون أعمارهم أقل من السابعة، وقد وجهنا هذه الحملة بتركيز كبير خاصة بعد تصاعد العمليات العسكرية خلال الفترة الأخيرة".

وأكدت الأمم المتحدة، مؤخرًا، أنها تحققت من تجنيد آلاف الأطفال في اليمن واستخدامهم في الصراع المسلح، متهمة جماعة الحوثي الإرهابية صراحة بالوقوف وراء عمليات تجنيد الأطفال. وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، إنها "تلقت العديد من التقارير، حول تجنيد الأطفال في اليمن واستخدامهم في الصراع على يد اللجان الشعبية التابعة للحوثيين".

وذكرت المتحدثة باسم المفوضية أنه ما بين مارس/آذار 2015 ويناير/كانون الثاني 2017، تحققت الأمم المتحدة من تجنيد 1476 طفلًا في أعمال القتال الدائرة في اليمن، جميعهم من الذكور، منوهة إلى أنه "من المرجح أن تكون الأرقام أعلى من ذلك بكثير؛ نظرًا لرفض معظم الأسر الحديث عن تجنيد أطفالها؛ خوفًا من الانتقام".

وأضافت المسؤولة الأممية "تلقينا تقارير جديدة حول الأطفال الذين تم تجنيدهم من دون علم أسرهم، غالبًا ما ينضم هؤلاء الذين تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة إلى القتال نتيجة التغرير بهم أو الوعود بمكافآت بمالية أو مراكز اجتماعية، ويتم إرسال العديد منهم على وجه السرعة إلى الخطوط الأمامية لجبهة القتال، وهي جريمة مكتملة الأركان ضد الإنسانية".

ويرى الدكتور عبد الباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، أن تجنيد الأطفال استهداف منهجي من قبل الانقلابيين، حيث تتم عملية التجنيد جبرًا أو طوعًا بوسائل متعددة، منها الوعود برتبة عسكرية ومرتب في المستقبل، علاوة على عدم الشفافية مع أسر الأطفال حيث يتم إخبارهم أنهم لن يشاركوا في المعارك وأنهم سوف يمارسون مهامهم في نقاط التفتيش ليس أكثر، وكل تلك الإجراءات تعد جرائم ضد الإنسانية وفقًا لكل المواثيق الدولية ذات العلاقة.

ومن جانبه، يشير الدكتور عمر الشرعبي، الخبير اليمني المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، إلى أن عددًا كبيرًا من الأطفال اليمنيين تم تجنيدهم للقتال ضمن صفوف جماعة الحوثي، وهو الأمر الذي تؤكده التقارير الدولية التي أفادت بوجود أطفال بأعداد مهولة تقاتل مع الجماعة، منبهًا إلى أن تجنيد الأطفال ضمن صفوف الجماعات المسلحة، أشد خطرًا من تجنيدهم في الجيوش النظامية لأن للجيوش لوائح وقواعد وضوابط، تنظم انضمام الأفراد إليها لكن الجماعات المسلحة منهجها ارتجالي وعشوائي ولا يهمها إلا وجود مقاتلين كثر، ولو كانوا أطفالًا.

وطالب "الشرعبي" المجتمع الدولي بوضع عقوبات أشد وأقوى، وإدخالها ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح استخدام القوة عبر قرارات مجلس الأمن، وتنفيذه وتفعيله في حالة تجنيد الأطفال لصالح أي طرف في النزاعات المسلحة في اليمن خاصة أو في المجتمع الدولي بصفة عامة.

ــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- تجنيد الأطفال في اليمن - من المدارس إلى المتارس، موقع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

2- "أسوشيتد برس": الحوثي كثف جهود تجنيد الأطفال رغم الهدنة، موقع روسيا اليوم، 16 يونيو/حزيران 2022.

3- فيديو.. مشاهد صادمة من معسكرات الحوثي لتجنيد الأطفال، موقع العربية، 18 يونيو/حزيران 2022.

4- تجنيد الحوثيين للأطفال.. جرائم حرب تفخخ الحاضر والمستقبل، موقع الإصلاح نت، 20 يوليو/تموز 2022.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.